للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخداع. ولا يستخفها ثناء مفلق، ولا يزدهيها مديح مزوق، فلا فضل لها في ذلك وإنما الفضل لملكها الحفيظ الساكن بين جبينها، والملائكة تعلمين لتجردها من النواميس البشرية تلبس من أشكال البشر وأجناسهم ما تشاء، فالملك الحارس هو الذي يحفظ عفاف الغادة المشوقة المتيمة بين جدران المراقص والملاعب ويقيها شر خلسات اللحظ نهاراً وهمسات اللفظ ليلاً. في ساعة الخلوة حينما تشب الفرصة نار الشهوة، وينطق لسان الموسيقي فيذيب المهج ويرقق القلوب في مثل هذه الساعة إنما يحفظ الحسناء حارسها الأمين، وإن سماه أهل هذا الوجود الشرف الحصين.

ومن الغانيات المتاح لهن الشقاء من تغرهن حارساتهن فتوهمن أنهن أجمل الأنس، وأملح من طلعت عليه الشمس، غيرة عليهن من الرجال واستئثاراً بهن، وكذلك ترى هؤلاء الحارسات يصغون قيم الرجال في أعين غاداتهن حتى يرفضن كل خاطب ثم يرخين لنفوسهن أعنة المطامع ويلقين بأزمة عقولهن في كف الخيال المخادع، والوهم المخاتل فيمنين النفس يتزوج الأمراء والسراة من الرؤوس والأعيان والأئمة والقادة، وتصوغ لهن أيدي المنى الكاذبة أزواج المستقبل رافلين في خلع الإمارة خفاقة فوقهم أعلام المج والسؤدد.

بيض الوجوه كريمة أحسابهم.

شم الأنوف من الطراز الأول تخشع الأبصار وتنكس الهام في حضرتهم، وتخرس الألسن وتلجم الأفواه في مجالسهم، ويخاطب أحدهم بلبيك وأبيت اللعن وسموك وفخامتك، هذه الأباطيل وأمثالها هي ما يلوث نقاوة قلب الغادة ويعلم لحظها الساحر كيف يعبث بالقلوب ويلعب بالنهي، ويعلم خدها الأسيل كيف يتصنع الخجل فيكتسي إحمراراً باطلاً، ويعلم قلبها المداهن كيف يتكلف الوجل فيتعمل خفقاناً كاذباً.

والحارسات هن اللواتي يعصمن الغادة من الزلل في مزالق الأهواء ومداحض الشهوات فيدفعن عنها كيد هذا المخاتل بكيد ذلك ويرددن عنها قحة هذا المغازل بقحة ذاك. وأي فتاة ناعمة كانت تسلم من حبائل محاباة زيد لولا مجاملة عمرو، وأي غادة رود كانت تنجو من إيناس خالد لولا تودد بكر، وإذ نطق عبيد فأي حسناء تستطيع مقاومة خلابته لو لم تلهها غمرة من جانب زياد، وهكذا لا تبرح العفريتة الحارسة تنقل قلب الفتاة بين مختلف