للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخليق بنا أن لا نمس مضاجعها المقدسة أو نلمس بأيدينا مواقدها المباركة.

أيها الشاعر، لماذا تريد، أن لا ترى في قصة عذابك الأليم إلا حلماً موهوماً، وحباً مخدوعاً، وهوىً كاذباً، أتظن العناية الإلهية لا غرض لها من تعذيبك، ولا باعث لها على ألمك، وهل ترى في نكبتك مسرة لله الذي نكبك، ألا تعلم أيها الطفل أن الضربة التي منها تشكو وتئن قد أفادتك وحفظتك، لأن فؤادك من الضربة تفتح، ومن العذاب نضج.

أيها الشاعر. إن الإنسان طفل والحزن معلمه، ولن يتهذب حتى يحترق بنار الألم، ويخبز في موقدة العذاب، تلك شريعة صلبة قاسية، ولكنها سنة عالية سامية، قديمة كالعالم، عتيقة كالقدر، وكما ترى الحبوب لا تنضج إلا بالري والسقاء، تشهد الإنسان لا يعيش ويحس إلا بالدموع والبكاء.

أيها الشاعر ألم تقل أنك من جنتك قد أبللت ومن نزقتك قد أثبت، ألست فتى في مطارف الشباب، ومنعماً في إبراد الهناء، ومحبباً مكرماً في كل مكان، فهل كنت تعرف هذه المباهج الناعمة، والمسرات الرفيعة، لو أنك لم تذرف قبلها دمعاً، وتسكب أول أمرك عبرات وشؤوناً. لعمرك نبئني، هل كنت من فرح ترفع الكأس المترعة إلى شفتيك، عند منحدر النهار، على ضفاف النهر، بجانب صديق قديم، في مائدة خمر وشراب، لو لم تدفع من قبل ثمن هذا الفرح، وتقضي حق هذا السرور، خبرني هل كنت ستحب الأزاهر وتهوى الحقول النواضر، وأناشيد بترارك وأغنيات الأطيار، وصور ميشيل أنجلو، والفنون الرفيعة، وشكسبير والطبيعة، لو لم تجد في خلالها أنات قديمة وشهيقاً، وتشهد في أضعافها نحيباً وعويلاً، وهل كنت مدركاً من طلعة السموات الإنسجام المعجز، والإئتلاف المدهش وسكون الليل، وخرير الموج، لو لم تسهد عينك ليلة فبت للنجوم راعياً، ولم لم تصبك الحمى فبعثتك على تخيل الراحة الأبدية.

ليت شعري. أليس لديك الآن عشيقة حسناء، وخليلة فاتنة، وإذ تشد على يدها. عند الوداع، ألا ترى ذكرى آلام شبابك الأول تجعل ابتسامتها المقدسة أشد روعة، وأعذب تأثيراً، وأفتن نعمة، ألا تذهبان في أعماق الغابات المزهرة متنزهين، ألا تنطلقان الآن ذراعاً لذراع في صميم الأحراش اليانعة متصاحبين، ألا تمشيان فوق الرمل الفضي مختليين، ألست الآن وعشيقتك الحاضرة تسيران معاً وكما كنت العشيقة الأولى - في هذا الصرح الأخضر