أمام الله. وبدمعة متحدرة، دمعتي الأخيرة، أقرئك الوداع المستديم، وأتلقى منك الفراق الخالد.
والآن هلمي يا ربة الشعر، وتعالي أيتها الشاعرة الحسناء، نعود إلى الحب، ونتطارح ذكر الهوى. . . . وأسمعيني أغنية منك بهيجة مفرحة، كما كنت تطربينني في أيامي الأولى الراغدة، وزمني الماضي الجميل. وهذه نفحات الحقول، وعقبات الأزاهر، تنم عن مقرب الصباح، وتكشف الغطاء عن مطلع الضياء.
تعالي يا ربة الشعر أيقظي الحبيبة الجديدة من منامها، واجمعي أزهار الحديقة، واقطفي ورود البستان، تعالي انظري الطبيعة الخالدة تخرج من كلة النوم. تعالي نعود إلى الحياة في منبثق أول خيط من خيوط الشمس.
نصيحة
للشاعر محمود باشا البارودي
بادر الفرصة واحذر فوتها ... فبلوغ العز في نيل الفرص
واغتنم عمرك إبان الصبى ... فهو إن زاد مع الشيب نقص
إنما الدنيا خيال عارض ... قلما يبقى وأخباراً تقص
تارةً تنجو وطوراً تنجلي ... عادةً الظلل سجا ثم قلص
فابتدر مسعاك واعلم أن من ... بادر الصيد مع الفجر قنص
لن ينال المرء بالعجز المنى ... إنما الفوز لمن هم قنص
يكدح العاقل في مأمنه ... فإذا ضاق به الأمر شخص
إن ذا الحاجة ما لم يغترب ... عن حماه مثل طير في قفص
وليكن سعيك مجداً كله ... إن مرعى الشر مكروه أحص
واترك الحرص تعش في راحة ... قلما نال مناه من حرص
قد يضر الشيء ترجو نفعه ... رب ظمآن لصفو الماء غص
ميز الأشياء تعرف قدرها ... ليست الغرة من جنس البرص
واجتنب كل غبي مائق ... فهو كالعير إذا جد قمص
إنما الجاهل في العين قذي ... حيثما كان وفي الصدر غصص