مفتقر إلى مجهودات متعبة مضنية والثاني عمل هين يسير لا كلفة فيه ولا عناء.
كل عمل فيه اختراع وإنشاء فقوامه هذان الأمران معاً أي توجيه قوى العقل إلى غاية واحدة وربط بعضها ببعض ويدلك على أن ذلك شا قمتعب جزع أكثر طلبة المدارس العليا من كل عمل من هذا القبيل وهم الذين سيكونون في مستقبل أيامهم الطبقة الرقيقة التي يلقى على عاتقها تدبير الأمور بالحكمة وسداد. أنظر مثلاً إلى طلاب الفلسفة ترهم أنجب الطلاب وأوفرهم ذكاء وأشدهم مواظبة وتشميراً في تحصيل دروسهم على أنهم لا يسلمون من ذلك العيب الذي أشرنا إليه وهو الخمول العقلي ووقوفهم في تحصيل الفلسفة عند حد الألفاظ وحده دون أن ينفذوا إلى المباحث التي تنم عن أعمال الطالب فكرته. ومثال ذلك أنهم عند دراسة علم النفس لا يخطر ببال أحدهم أبداً أن كل إنسان في الحقيقة مشتغل بهذا العلم على وجه عملي وأن مظاهر قواه النفسية من أفكاره ووجدانات وازدادت تتجلى في كافة حركاته وسكناته طول حياته. هل خطر ذلك لأحدهم فعمد إلى نفسه يراقبها ويميز خطرات فكره وخلجات وجدانه فيستنبط منها ما يصلح أن يكون شاهداً ومثالاً للنظريات التي هو متوفر على دراستها وألا تراهم يقتصرون كلهم في ذلك على المثل والشواهد المذكورة في الكتب التي بين أيديهم. إنهم إلى الإستظهار أميل منهم إلى البحث وهذا العبء الثقيل الذي يبهظون به ذاكرتهم لا يخيفهم ولا يزعجهم كما يزعجهم بذل أقل جهد ذاتي فهم يتأثرون بغيرهم وليس لهم أثر صدر عن أنفسهم اللهم إلا بعض أفراد منهم يشذون عن رفاقهم فتراهم أذكى فؤاداً وأمضى عزماً ولكنهم أفراد قليلون.
ومما يدلك على نفور الطلبة من بذل أي مجهودات ذاتية تلك الإختبارات التي تجري كل ثلاثة أشهر لمسابقة الطلبة في الحصول على درجة الأول في فرقته فإن أكثر الطلبة يرهبونها ولا تقع موقعاً حسناً من أفئدتهم ذلك لأن تلك الإختبارات وإن كانت لا تضطرهم إلى مجهودات شخصية إلا أنها عبارة عن إنشاء موضوع جديد مادته الدروس المتفرقة التي تلقوها وتشترط فيها سهولة التراكيب ووضوحها وفي ذلك من الكلفة عليهم ما فيه.
ينتقل الطالب الذي مني بهذا الفوز من العمل الذاتي إلى المدارس العليا ومعه هذا الفوز، وذلك لأن الكسل العقلي لا يحول بينه وبين التدرج من مدرسة إلى أخرى أرقى منها إذ لا يعبأ أحد من الممتحنين يقيمة الطالب الحقيقية ومقدار كفاءته الذاتية بل كل ما يعنى بشأنه