تزعم المدارس أن مهمتها تقوية عقل التلاميذ لاكتساب شتى المعلومات فلا تسعى في تقوية إرادتهم إلا على قدر ما هو لازم لكسب تلك المعارف ومن الوسائل التي نستعين بها في هذا السبيل تأنيب الأستاذ تلميذه سراً أو علانيةً والثواب أو العقاب وغير ذلك من الآلات التي تستخدم للوصول إلى شحذ همة الطالب واستفزازها إلى الجد والإجتهاد.
ولكن ليت شعري ماذا يكون حال الطالب في غده عندما لا يرى شيئاً من تلك الوسائل لا يرغب في ثواب ولا يرهب عقاباص ولا هو خاضع لمؤثر من تلك المؤثرات التي تبعثه على الجد.
لقد ضل أولو الأمر في مسائل التربية سواء السبيل إذ جعلوا جل عنايتهم بالحاضر وغفلوا عن المستقبل فلم يحسبوا له حساباً وكان خليقاً بهم أن يحفلوا بتربية الإرادة ويجعلوها تربية صحيحة دائمة البقاء لا أن يمحوها بالصناعة قوة عارضة لا تلبث أن تزول متى تغيرت الأحوال وتبدلت الأمور.
لا يبقى للطالب في المدارس العليا من دواعي الجد والمثابرة في التحصيل غير تلك الأمنية التي تتلجلج بين جوانحه وهي اجتياز امتحان الليسانس في الحقوق أو الدبلوم في الطب وهي إجازات قد يصل إلى إحرازها أبلد التلاميذ وأكثرهم خمولاً فترى مما تقدم أن ليس لتربية الإرادة نصيب وافر من الإهتمام مع أن قوة الإرادة أو العزيمة هي كل شيء في الإنسان وهي التي تجعل له قيمةً وشأناً ولولاها لظلت أجل المواهب وأسنى الملكات عقيمة لا تثمر ثمراتا بل الإرادة هي التي دفعت الإنسان إلى إبراز ما تم على يديه من جلائل الأعمال وعظائم الأمور.
من العجب أن يقول كل إنسان في نفسه ما نحن قائلون الآن وما من أحد إلا ويتألم ويشكو من شدة الإهتمام بتثقيف العقل وتربيته بأنواع العلوم والفنون وإهمال الإرادة وتركها ضعيفة خائرة. ولكن مع هذا الشعور العام بشدة الحاجة إلى تربية الإرادة لم يعن أحد للآن بتأليف كتاب واحد في هذا الموضوع الخطير. لذلك أخذنا على عاتقنا تأليف هذا الكتاب بأسلوب لم يسبقنا إليه أحد ولم نكن فيه من المقلدين.
سل بعض الطلبة الذين اشتهروا بفتور همتهم وغفلتهم عن الإهتمام بواجباتهم والجري وراء اللعب واللهو وقل لهم ما هذا وما الذي أدى بكم إلى هذا الحال يجيبونك جميعاً بما