للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معناه: كان أساتذتنا بالأمس يحددون لنا الدرس الذي يلزمنا حفظه يوماً فيوماً بل ساعة فساعة فكان الأمر بذلك واضحاً لنا محدوداً لا لبس فيه، نعلم مثلاً أي فصل من التاريخ يجب درسه وما هي النظرية الهندسية التي يجب علينا تفهمها والقطعة التي تجب ترجمتها وفضلاً عن ذلك فقد كنا مسوقين إلى الجد في التحصيل رغبةً في المكافأة تارةً ورهبةً من العقاب تارةً أخرى وكانت المباراة والمسابقة بين التلاميذ دافعاً لنا إلى التشمير في العمل. أما الآن فلا شيء من ذلك كله فنحن نتصرف في أوقاتنا كيف شئنا ولما كنا لا ندري كيف نحسن توزيع الأعمال التي لدينا حسب الأوقات كما أن طريقة التلقين ليست مطابقة لجهلنا من الضعف فقد صار مثلنا مثل من يلقى في الماء وهو لا يعرف السباحة غير أنه تمنطق بمنطقة النجاة. وإنا لخليقون على ذلك أن نكون من الهالكين. لقد جهلنا كيف نشتغل وكيف نريد بل لا ندري ما هي الوسائل التي بها تربي إرادتنا بأنفسنا إذ لا يوجد كتاب عملي ألف في هذا الموضوع نستعين به ونسترشد بنبراسه. لذلك ترانا مرغمين على الخضوع لما جرت به المقادير ولم نعد نشعر بأننا قد ألقينا سلاحنا واستسلمنا وتركنا الجهاد للخلاص من هذا المأزق المتضايق ولكن ما أشده ألماً لنفوسنا وما أسوأ وقعه في قلوبنا ومما يزيد الحال ضغثاً على أبالة التردد على القهاوي والحانات ومعاشرة خلان السوء الذين يميلون إلى اللهو وقطع الأوقات في المسرات. وهكذا تنقضي أوقاتنا واليوم خمر وغداً أمر.

فهذا الذي يشكو منه الطلبة هو الذي حدا بنا إلى تأليف هذا الكتاب فلعلهم يجدون ضالتهم ويهجمون منه على حين طيب.

الفصل الثاني

الغاية التي ننشدها

أهملت مناهج التعليم مسألة الإرادة ولكن ذلك الإهمال لم يمنع الناس كافة من الإعتقاد بأن قيمة المرء على قدر همته وقوة إرادته وإجماعهم على احتقار الرجل الضعيف وإهمال شأنه ولما كانت قوة إرادة الإنسان إنما تقاس بمقدار ما يصدر منه من المجهودات في أعماله فلذلك ترى كل واحد يتظاهر بكثرة الأعمال التي يقوم بها ويغلو في ذلك إلى حد بعيد وإنما يقول ما لا يفعل ويدعي ما ليس فيه لعرفانه ما لقوة الإرادة من المقام الرفيع في عيون الناس. يقول ذلك وهو بمأمن من أن تذهب لزيارته في مثل تلك الساعة بمثل ذلك