للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا هو تفسير قولهم أن الإكتشافات إنما هي عمل من أعمال الإرادة. فإن نيوتن لم يكتشف قانون التجاذب العام إلا بعد أن فكر فيه طويل التفكير. وإذا أنكر أحد أن العقول الكبيرة ليست إلا صبراً طويلاً فليصغ لما يقوله دارون عن نفسه: كنت أطيل التفكير ولا أقرأ إلا المسائل التي تحرك في نفسي حب النظر فيما شاهدته أو ما أريد أن أشاهده وإنني واثق كل الثقة أن هذا النظام الذي اخذت نفسي به هو الذي قدرني على عمل ما عملته في خدمة العلم وقال ولده كان لوالدي قدرة عجيبة على الإمعان في بحث مسألة من المسائل وإطالة التفكير فيها مدة أعوام عديدة.

والخلاصة أن هذه الحقيقة أضحت واضحة للعيان فلا حاجة إلى إطالة الشرح والبيان. والغاية التي ينشدها ويسعى إليها طلاب الأشغال العقلية هي أن يكون لهم انتباه شديد طوع إرادتهم بشرط أن لا يكون ممتازاً بقوته وتعدد مجهوداته فحسب بل لا بد من أن تكون جميع أفكارهم تحوم حول غاية معينة ومطموح أنظارهم أن تكون جميع أفكارهم وعواطفهم أثناء توجيه إرادتهم نحو تلك الغاية المعينة متصلة بالفكرة الأساسية التي يشتغلون في سبيلها متعلقة بها غير خارجة عن منطقة نفوذها.

هذه الغاية الجليلة التي ننشدها يعترضها كسلنا الغريزي فيعرقل مساعينا في إدراكها فعلينا أن نقاومه أشد مقاومة حتى نتغلب عليه ونفوز بنيل تلك الأمنية الغالية.

وقبل البحث في الوسائل اللازمة لتحويل الرغبات الضعيفة المتذبذبة إلى إرادات ثابتة راسخة يجب علينا نفند مذهبين فلسفيين متناقضين يقف كلاهما سداً منيعاً دون تربية الإرادة.

الفصل الثالث

في الرد على بعض المذاهب الفلسفية الفاسدة

التي تبعث على اليأس من تربية الإرادة

ـ ١ ـ

مذهب القائلين بأن الأخلاق لا تتغير

ما الجدل إلا تمهيد يمهد به الكاتب لأغراضه التي سيشرحها بعد ذلك ولكن لا ينبغي له أن يعلق عليه آمالاً كباراً فليس يفنيد مزاعم الخصم المناظر ودحضها بمجدية نفعاً في التدليل