للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على صحة مذهب من المذاهب وإصابته عين الحقيقة وإنما يكون ذلك بالرأي المؤيد بالدليل.

ولما كان كتابنا هذا عبارة عن مذهب في التربية وأسلوب خاص لها دعائمه قائمة على أصول علم النفس وقواعده المتينة الأساس رأينا أن نبدأ كلامنا قبل الخوض في هذا الموضوع بتمهيد ندحض فيه النظريات الفلسفية الفاسدة من الوجهة العقلية النظرية الضارة في الوجهة العملية.

وأكثر هذه النظريات خطأ وأعظمها ضرراً في نتائجها تلك النظرية القائلة بأن الأخلاق لا تتغير. وأول من طرق هذا الباب الفيلسوف (كانت) ثم تبعه (شوبنهور) وذهب مذهبهما (هربرت سبنسر).

أما (كانت) فمن رأيه أن الأخلاق التي فينا قدرت لنا ونحن في عالم الغيب ولا مرد لما قضت به الأقدار فمتى نزلنا إلى هذا العالم عالم الزمان والمكان بقيت اخلاقنا وإراداتنا بالتبعية لها كما هي لا قدرة لنا على تغييرها أو تبديلها لا قليلاً ولا كثيراً.

ويرى (شوبنهور) أن الأخلاق ولدت مع الإنسان فلا يستطيع لها تغييراً ولا تبديلاً. من يستطيع مثلاً تغيير مجرى أفكار الأناني وعقائده التي تجعله يؤثر نفسه على غيره أو إقناعه بأن طريق السعادة هو الإستقامة وشرف المعاملة لا الخداع والمخاتلة إذا حاول إمرؤ شيئاً من ذلك كان غير موفق. وأما محاولة جعله يشعر بآلام غيره ويتألم لها فهي ضرب من المحال كمحاولة تحويل الرصاص إلى ذهب. ومن قوله في هذا الصدد: قد تستطيع أن تقنع الأناني بأنه إذا ترك فائدة نال عوضاً عنها خيراً أعظم وفائدة أجزل وقد يمكنك أن تفهم الشرير بأن أقدامه على فعل الشر يجر عليه بلاء عظيماً وشراً مستطيراً. ولكن إذا حاولت أن تطهرهما من أدران الأثر أو الشر فإنك إنما تطلب محالاً ولن تستطيع إلى ذلك سبيلاً إلا إذا استطعت أن تقنع الهر بأنه لا حق له في حب لحم الجرذ وأنه يصيدها وافتراسها إنما يأتي عملاً منكراً.

أما الفيلسوف (هربرت سبنسر) فقد نظر إلى المسألة من وجهة أخرى تتفق مع الفلسفة الإنكليزية فإنه ارتأى أن الأخلاق تتغير مع طول الزمان تحت تأثير القوى الخارجية والبيئة والوسط وظروف المعيشة وغير ذلك ولكن لا يتم هذا التحول إلا في أجيال.