هو عبارة عن مجموعة من الأفكار والأميال والشهوات. ومن المعلوم أن مجموعة القوى عرضة للتعديل بالتغيير والتبديل.
الخلق الإنساني له وحدة شبيهة بالوحدة الأوروبية فكما أن المخالفات والإتفاقات بين بعض الدول وبعضها وتقدم أحدها في مراقي العمران وتقهقر الأخرى كل ذلك له أثر في هذه المجموعة قوة وضعفاً. كذلك الحال في الخلق فكل ارتباط وانفكاك يحدث بين التصورات والأميال والشهوات يؤثر في الخلق فيزيد في قوته أو يغير في تجاهه. على أن هذا الكتاب من دفته إلى دفته سيكون البرهان الساطع على إمكان تحويل الخلق من حال إلى حال أخرى.
نعود إلى البحث في النظريات المتقدمة التي تؤيد مذهب القائلين بأن الخلق لا يتغير. أما آراء (كانت) فإنها مبنية على تصورات غير مستمدة من الوقائع المحسوسة. ولولا أنها خليط من مذهب القدرية ومذهب العلية لما حفلنا بها ولتركناها تنفصل من الموضوع كما ينفصل غصن الشجرة الذي ذبل ونضبت منه مادة الحياة وسترى تفصيل ذلك فيما يلي:
أما شوبنهور فليست آراؤه مدعومة بالأدلة القاطعة الدامغة وإنما هي عبارات ضخمة عليها مسحة من العلم. وشقشقة اللسان لا تغني من الحق شيئاً وإليك ما أمكننا استخلاصه من البراهين على صحة ما يزعمه:
أولاً - لو كانت الأخلاق قابلة للإصلاح لكان الشيوخ أكثر تقوى وفضيلة من الشبان وهذا أمر غير واقع.
ثانياً - إذا اقترف إنسان إثماً يشينه أضاع ثقة الناس به وهيهات أن يستطيع إلى استردادها سبيلاً ولا يزالون يسيئون به الظن إلى الأبد. وهذا دليل على أن الناس مجمعون على أن الأخلاق لا يمكن أن تتغير أو تتبدل.
هذه العبارات إذا تأمل فيها الناقد البصير لا يرى فيها شيئاً يؤيد ما زعموا بل لا تصح أن تعد أدلة قاطعة دامغة. نعم إنها قضايا صحيحة في جملتها ولكنها لا تدل إلا على أمر واحد تدل على أن أكثر الناس لم يهتموا جد الإهتمام بتربية إرادتهم وإصلاح أخلاقهم. تدل على أن الناس يتصرفون في جميع أعمالهم في هذه الحياة حسبما توحي إليهم أميالهم وعواطفهم وقلما يحفلون بإراداتهم. تسوقهم العادات وآراء المجتمع قسراً إلى عمل ما يعملون ولا