تحدثهم أنفسهم بالخروج من ربقة هذا التحكم كما أنه لا يخطر ببال إنسان أن يعصي أن يدور مع الأرض وهي دائرة حول الشمس.
نحن لا ننكر الخمول المتفشي في جميع طبقات الناس ونقول أنهم يقضون حياتهم في البحث عما يقيم أودهم فقط وليس للحياة العقلية عندهم من نصيب. انظر إلى طبقة العمال بل إلى الأغنياء والفقراء، إلى النساء والأطفال تراهم جميعاً لا يفكرون فيما يصنعون وما مثلهم لا تلك التهاويل التي تدار بالأيدي فتمثل لك أناسي يتحركون ويعملون. ترى جميع الناس قد انحصرت جميع حركاتهم في منطقة الرغائب التي لا سلطان للإرادة عليها أو الواقعة تحت تأثير المؤثرات الخارجية.
يقضي عليهم تنازع البقاء ويقعون تحت حكمه فيضطرون إضطراراً إلى الترفع عن الحالة البهيمية والترقي إلى درجة الإنسانية حتى إذا زالت تلك الظروف الخارجية التي تسوقهم قسراً رجع أكثرهم القهقرى إلى الحيوانية الأولى فأولئك الذين نضب من نفوسهم ذلك الينبوع الذي يجري تياره نحو الأفكار السامية والغايات الشريفة وأولئك الذين ليس لهم من شرف نفوسهم وأخلاقهم ما يحدو بهم إلى طلب الكمال والرقي كل أولئك تراهم قد تذبذبت أخلاقهم ثم انحطت إلى الدرك الأسفل. فلا عجب بعد ذلك إذا رأينا شيخاً قد انغمس في حمأة الفساد وفتى له من عفته وآدابه ما يسلك به طريق الرشاد.
وهنالك رأي آخر يظن الناظر إليه أنه على شيء من الرجاحة والوجاهة وهو أن الأناني لا طاقة له بإيثار غيره على نفسه وتضحية منفعة له في سبيل غاية شريفة حتى لو اعتقد ضرورة ذلك وصحت عزيمته عليه.
ولكنك إذا دققت النظر في هذا الرأي لما رأيته شيئاً مذكوراً. ألست ترى الجبناء والأنذال يقدمون على أكبر المخاطر ويركبون أخشن المراكب حتى أنهم ليتعرضون للموت الزؤام أملاً في كسب المال مع أن غريزة حب البقاء وكره الموت لا تصادمها شهوة من الشهوات وتستطيع التغلب عليها ومن البديهي أن الحياة أعز شيء لدى الأناني فإنه يحتفظ بها أيما احتفاظ ولكننا طالما رأينا بين من اشتهروا بالأثرة وحب الذات حباً متناهياً من بذل روحه فدى لوطنه أو دفاعاً عن غاية شريفة.
فإذا كان التحول الوقتي للخلق بهذه الصورة ممكناً فما معنى قولهم إذن أن الخلق لا يتغير.