للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الخلق الذي يتحول تحولاً جوهرياً حتى لينقلب إلى ضده في مدة قصيرة جداً لا يصح أن يقال عنه أنه غير قابل للتغيير والتبدل بل يجب أن يقال إن هذا التحول الوقتي إذا تكرر وأدمن صاحبه تكراره مرة بعد مرة قوي واشتد وأصبح سجية وطبعاً.

على أنا بعد نسأل (شوبنهور) هل وجد إنساناً اتصف بخلق واحد كالأنفية مثلاً فهو أناني في جميع حركاته وسكاته، في جميع أفكاره وميوله ومنازعه، لا يمازج هذا الخلق خلق آخر. مثل هذا التوحيد في الطبيعة البشرية لم يوجد أبداً في عالم الحقيقة. وهنا نعيد ما قلناه أن تصور الخلق الإنساني شيئاً واحداً بسيطاً وكتلة متماثلة الأجزاء إنما يأتي من عدم التدقيق في البحث والنظر السطحي للأمور.

نحن إنما نتكلم على الإنسان الذي يعيش على سطح هذه الكرة الأرضية لا على إنسان موهوم لا حقيقة لوجوده إلا في الخيال.

فما تقدم يكفي لدحض آراء (كانت) و (شوبنهور) وتفنيد نظريتهما التي هي في منتهى الذاجة. وأما (سبنسر) فإننا نقول له أن الآباء والأجداد كما يورثون أحفادهم الأميال الفاسدة يورثونهم الأميال والطبائع الصالحة وكلا النوعين ينتقش في نفوسهم وينطبع فيها انطباعاً عضوياً. وعلى ذلك يستطيع الإنسان بشيء من الدراية والحذق وحسن الحيلة أن يتدرع بتلك الأميال الصالحة ويستخدمها في منفعته ويقاوم بها تأثير ما ورثه من الأميال الفاسدة. وتنتهي المسألة بترجيح أحد هذين الفريقين من الأميال على الفريق الآخر. وسترى فيما سيمر بك من هذا الكتاب الأساليب التي بها يكون الفصل بينهما فتفوز الأميال الصالحة ويكون لها الغلب.

الآن وقد ظهر لك إلى ما يذهب إليه بعض فلاسفة الفرنسويين من المذاهب التي تثبط العزائم وتدعو إلى اليأس من إصلاح المرء نفسه وخلقه. وفي طليعتهم الفيلسوف (تين) فإنه على ما هو معروف عنه من سعة المدارك قد خلط خلطاً قبيحاً بين مذهب القدرية والجبرية وعندما حاول أن ينقض مذهب العقليين الذي وضع أساسه الفيلسوف كوزين ارتأى أن الحياة البشرية مستقلة تمام الإستقلال عن الإردة وما الفضائل في نظره إلا أموراً طارئة تجلب من الخارج كما يجلب السكر مثلاً من المستعمرات. وهو تشبيه سخيف ركيك ولكنه ماذاع في عصره وانتشر في مبدأ أمره حتى حجب العقول عن بحث العوامل النفسية