للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤثرة فيما يقع من الإنسان من الأفعال، وأزاغ البصائر عن فهم معنى كتاب الموسيو ريبو الشهير الذي عنوانه (أمراض الإرادة) ومضى الناس زمناً غير قصير على هذا الضلال بتأثير هذه المذاهب المضلة وقصارى القول أنه يلزمنا في مثل هذه المباحث الدقيقة أن لا نعول على ما قاله ذلك الفيلسوف أم ننحاز لرأيه لأنه ابن وطننا فرب عدو عاقل خير من صديق جاهل.

ـ ٢ ـ

مذهب حرية الإختيار

بقي علينا قبل الدخول في موضوع الكتاب أن نفند مذهب حرية الإختيار الذي يطنطن به أصحابه ويبنون عليه القصور والعلالي. وخلاصته أن قدرة الإنسان أن يقمع شهواته ويمتلك زمام هواه بمحض إرادته ومشيئته. صور ذلك المطلب بصورة الشيء القريب المنال الذي لا يمتنع على أحد.

أما نتائج هذا المذهب فهي زيادة عدد من خابوا في هذا السبيل فلووا عنان همتهم واستكانوا ولجأوا إلى اليأس والقنوط فكان ضرر هذه الآراء بالنفوس أشد من ضرر مذهب الإعتقاد بالقضاء والقدر كما سترى ذلك مفصلاً.

يزعمون أن حرية الإختيار شرط لازم للحرية الأدبية مع أن بينهما بعد ما بين المشرقين لأن امتلاك المرء زمام نفسه وتغلبه على أهوائه أمر يدرك بطول الأناة والصبر والجهد والعناء فالقول بأنه يتعلق بمشيئة المرء وحدها يدعو الشبان إلى اليأس والقنوط من كسب هذه الأمنية الغالية إذ يرون ما بين رغائبهم وبين وصولهم إلى تحقيقها بوناً شاسعاً وفرقاً بعيداً.

يقرأ الشبان تراجم حياة عظماء الرجال المتقدمين أصحاب العزائم الكبيرة والهمم السامية وبصورها لهم الخيال وتمادي الزمن بصورة أكبر وأعظم مما هي في الحقيقة فتتأثر نفوسهم بالعبرة ويتلهبون شوقاً إلى التشبه بهؤلاء الرجال واقتفاء خطواتهم فيجعل بنا ونحن نراهم على هذه الحالة النفسية أن لا نخفي عنهم أن هؤلاء الرجال إنما أدركوا ما أدركوا من المجد وبعد الصيت والذكر الخالد في صحائف التاريخ بالعمل والجهد وشق الأنفس والصبر الجميل على المكاره ثم نصور لهم ما يكون من نصيبهم من الفوز والفلاح إذا