للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صبروا وعملوا وذللوا ما يعترضهم من المشاق والأهوال.

لا يملك الإنسان إرادته بمحض مشيئته فقط كما أن فرنسا لم تنهض من كبوتها بعد حرب السبعين وتسترد مجدها بمحض مشيئتها فقط بل لأنها قضت عشرين حولاً وهي تجد وتسعى وتهيء وسائل النهوض من هذه العثرة. فكذلك خروج الإنسان من أسر الشهوات وتمكنه من امتلاك زمام نفسه إنما يكون بالسعي والجهد والصبر الطويل.

يا عجباً! أيقضي كثير من الناس ثلاثين عاماً من أعمارهم في الكد والكدح ومزاولة أشق المهن والأعمال لكي يتمكن الواحد منهم من ابتياع ضيعة ينعم فيها بالراحة فيما يبقي من أيام حياته ولا يفتكر أحد في صرف القليل من زمنه في إصلاح نفسه وامتلاك إرادته وهي التي تتوقف عليها قيمة المرء بل هي التي يبني عليها مستقبله وبها يكون رجلاً رفيع المقام نابه الذكر وهي التي تفتح له أبواب السعادة وتدر عليه صنوف الخير. أليس من العجائب أن تكون هذه صفات الإرادة ومزاياها ومناتبها ولا يبذل أحد كل ما في وسعه لتقويتها وقلما تخطر لأحدهم ببال. غير أن هذا الإهمال الظاهر يخفي تحته آلاماً مبرحة تساور نفوسنا ولطالما شعرنا بها جميعاً وإلا فمن من الطلاب لم يشعر بما يختلج في نفسه من المقاصد الحسنة والنوايا الشريفة النبيلة وما يلاقيه من العقبات والعوائق في سبيل تنفيذها وإبرازها إلى حيز الوجود فإن ضعف عزيمته يحول بينه وبين ما يشتهي.

يقول لنا أساتذتنا أنتم أحرار فافعلوا ما تشاؤون. نعم نحن نشعر بأننا أحرار ولكن اليأس الكاذب يساور نفوسنا.

يقول لنا أساتذتنا ذلك ولكنهم لم يقولوا لنا إن الإرادة تنال بالدأب وطول الأناة ولم يشرحوا لنا الوسائل التي تمكننا من نيلها ولم يدر بنا أحد على هذا الجهاد أو بعد معدته لنا. ولم يأخذ بيدنا أحد ويشد أزرنا في هذا المعترك بل تركنا وشأننا فمن المعقول إذن أن ندع هذا الجهاد جانباً ونستسلم إلى نظريات الفيلسوف (تين) وأضربه من القائلين بمذاهب القدر فإن ما يقررونه في تعاليمهم موافق كل الموافقة لما هو منطبع في نفوسنا من الكسل ولأنه يصور لنا هذا الجهاد عبئاً وتعباً ضائعاً سدى وإن لا قبل لنا بالوقوف هذا الموقف فتهدأ نفوسنا الثائرة وتطمئن مشاعرنا الهائجة ونخنع لما جرت به المقادير. وهذه الآراء بجملتها التي تهدم كيان الإرادة وتقود دعائمها مستمدة من مذهب حرية الاختبار.