إن الحرية الأدبية والحرية السياسية وكل شيء له قيمة في هذه الحياة ينبغي أن يؤخذ أخذاً بالكد والكدح وشق الأنفس ثم يجب الاحتفاظ بما حصل منه والذود عن حياضه والحرص عليه أن يضيع من اليد بعد أن حصلت عليه. أن الذي يدرك من هذه الأمور كلها يكون هو الجزاء الأوفى لأصحاب العزائم الكبيرة الصادقة والصابرين المثابرين أصحاب البراعة والحذق. وما أجمل ما قاله ذلك الحكيم لا ينال الحرية إلا من استحق أن يكون حراً. الحرية ليست حقاً من الحقوق أو حدثاً من الأحداث وإنما هي جزاء حافل بالسعادة الكاملة والهناء والغبطة. وإنما مثل الحرية في جميع ما يعمله الإنسان أو يتفق له وقوعه مثل ضوء الشمس بالنسبة للمناظر الجميلة الشائقة فإنه هو الذي يعطيها بهاءها وسناءها. فمن حرم الحرية امتنعت عليه اللذات الصالحة الباقية الآخذة بمجامع قلبه التي يستمتع بها زمناً طويلاً.
ومن بواعث الأسف أن مسألة الحرية كانت مثاراً للمنازع والخلافات حتى عتورها الغموض والإبهام ولقد قال عنها (بين) أنها قفل لعلوم ما وراء الطبيعة قد علاه الصدأ.
ولكن الذي نقصده هنا من معاني الحرية امتلاك المرء زمام نفسه وقمع شهواته بأن تتسلط على نفسه الأميال الشريفة والأفكار السامية. وتتغلب على البهيمة الجاثمة فيها. غير أنه لا ينبغي للإنسان أن يطمع من الإرادة في مرتبة معصومة من الخطأ بعيدة عن الزلل فذلك لا يستطيع إليه سبيلاً لقرب عهده بآبائه الأولين الذين كانوا يهيمون في البوادي ويلجأون إلى الكهوف والمغاور وأورثوه من أخلاقهم الغضب وحب الذات والميل إلى الشهوات والخمول فيستحيل عليه أن يقتلع من نفسه جذور هذه النقائص ويطهرها منها تطهيراً. إن النساك والزهاد الذين جاهدوا أنفسهم حق الجهاد وحاربوا بلا هوادة غرائزهم الحيوانية لا يدعون العصمة من كل زلل ولا الطهر التام من كل رجس ودنس.
فالغاية التي نوجه إليها أبصارنا هي أن تكون لنا إرادة قوية نستطيع بها دفع ما يثقل كواهلنا من الخمول وما يهيج أعصابنا من الشهوات. ولسنا بمطلعين إلى مقام العصمة وتجريد النفس تجريداً تاماً من حب الذات وما شاكله من الأخلاق الغريزية فذلك ما لا مطمع فيه ولا أمل في إدراكه.
ولا يظن أحد أن المطلب الذي أشرنا إليه سهل المنال فإن دون دركه أهوالاً بل هو عزيز