للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يناله من رامه إلا إذا تدرع بالصبر والجلد وعرف الأساليب والطرق التي توصله إلى الغاية حق معرفتها وأما من جهلها أو أخذه الغرور فلن يدرك شيئاً في هذا السبيل. فمن دخل في غمار هذا المطلب وهو جاهل بقواعد علم النفس أو غلب عليه الغرور فلم يسترشد بآراء من يعرفون هذه القواعد كان مثله من يجهل لعبة الشطرنج ثم يلعب مع قرن خبير بها طبيب بأسرارها.

يقول لنا أنصار مذهب حرية الاختيار إذا كنتم لا تستطيعون أن تنشئوا شيئاً وليس في وسع مشيئتكم وإرادتكم أن تمنح سبباً من الأسباب أو باعثاً من البواعث قوة لم تكن لهما من قبل وليست من طبيعتها فأنتم إذن لستم بأحرار.

فنجيبهم كلا. بل نحن أحرار ولا نقصد من الحرية إلا هذا المعنى أي أننا لا ندعى أننا نمنح سبباً من الأسباب أو باعثاً من البواعث قوة لم تكن لهما من قبل بمحض رغبتنا التي هي عمل نفسي باطني لا ضابط له ولا نظام بل هو مناف لما يقرره العلم من النواميس التي تربط الأسباب بالمسببات لا نقول ذلك ولا نذهب هذا المذهب وإنما نقول أننا نعطى هذه القوة إذا راعينا قواعد علم النفس وطبقناها تطبيقاً معقولاً. فنحن نرى أن التغلب على الطبيعة البشرية والتحكم فيها لا يكون إلا بالخضوع لنواميسها. ولا حرية لنا إلا بفهم قواعد علم النفس واستخدامها في مقصدنا الشريف ألا وهو تربية الإرادة والخلاص من ربقة الشهوات. وكلما ازداد علمنا بالعوامل النفسية التي تسيطر على حركاتنا وأعمالنا كنا أقرب إلى الحرية.

يقولون لنا وقد احتدم الخلاف بيننا: إذا كنتم لا تسلمون بأن الإرادة وحدها ومن تلقاء نفسها وبمحض اختيارها ومن غير أن يكون هناك رغبة سابقة تستطيع أن ترجح سبباً ضعيفاً من أسباب قوية فأنتم بذلك لا تفرضون سابق وجود الرغبة والمرء إذا لم يكن لديه رغبة في العمل فلن بعمل أبداً فكأنكم برأيكم هذا قضيتم على هذا الإنسان قضاءً مبرماً. ويكون رأيكم هذا شبيهاً برأي أصحاب الدين الكلفيني (البروتستانتي) فإن لديهم فئة من الناس مغضوباً عليهم كتب عليهم أن يكون ثمرهم لجحيم. غير أن المغضوب عليه من هذه الفئة لا يزال يؤمل من العزة الإلهية غفران ذنوبه وشموله برحمتها فهو أحسن حالاً من ذلك الإنسان الذي سبقت الإشارة إليه لأنه كلما بحث في أعماق نفسه ولم يجد أثر للرغبة في