للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العمل خارت قواه وانتزع منه كل أمل لعلمه علم اليقين إن كل سعي ضائع سدىً وبعبارة أخرى إما إن يكون لدى الإنسان رغبة في السعي إلى الكمال أو لا يكون فإن لم يكن فكل محاولة ضائعة هباء. ولما كانت الرغبة ليس لها ضابط ولا هي متعلقة بالإنسان وطوع أمره فإن مذهبهم هذا يؤدي إلى مثل مذهب القضاء والقدر إلى ما هو شر منه وهو مذهب الجبر.

فنجيبهم: نسلم لكم بعض ذلك جدلاً ولكن اعلموا أن الرغبة في الكمال مهما كانت ضعيفة ضئيلة في نفوسنا نستطيع بالصناعة تقويتها وإنماءها حتى تصير ثابتة راسخة وتؤول إلى عزم صادق.

يقولون: ولكن هذه الرغبة ضعيفة كانت أو قوية لا بد من وجودها - على رأيكم - فإن لم توجد فلا تستطيعون شيئاً ما.

وجواب على ذلك: نعم. ولكنا نسأل أنصار مذهب حرية الاختيار هل يمكن أن يطلب الإنسان الكمال وليس في نفسه ما يدفعه إلى هذا الطلب - إن الذي يسعى وراء مطلب من المطالب الكبرى ولا سيما إذا كان هذا المطلب يقتضي وقتاً طويلاً وعناءً كثيراً ولم يكن في هذا المطلب ما يشوقه ويستهوي فؤاده ثم يبوء بالخيبة والفشل - إن النجاح في أمر موقوف على حب هذا الأمر والشغب به والولع بإتمامه.

يقولون لنا: ولكن على أية حال لا بد من وجود الرغبة لدى الطالب فإذا لم توجد فقد قضي عليه قضاءً مبرم بسوء المآل.

فنرد عليهم: نسلم لكم بما تقولون ونقرر أنه لولا رغبة المرء في امتلاك رغبته لعجز تمام العجز عن أن يكون حراً.

نعم إن هذا الإلزام والشرط ينتج أسوأ النتائج لأن بعض الناس حرموا هذه الرغبة فليس في استطاعتهم أن يعملوا في حياتهم عملاً ما. ولكن لا بد من أنكم توافقوننا على أن هؤلاء التعساء قليل عديدهم وأنهم في جملة من قضي عليهم نحس طالعهم بأن يكونوا كذلك وهم أشبه بأولئك الذين اختلت قواهم العقلية فأصيبوا بالجنون الأدبي.

إني أقرر الحقيقة التالية وإن كنت لا أستطيع إقامة الدليل عليها ولكني واثق بصحتها إذا لم يرد علي ما ينقضها إلى الآن: ذلك أنك إذا سألت أي إنسان كائناً من كان على شريطة أن