يكون سليم العقل عما إذا كان يفضل عملاً شريفاً يكسبه المجد والفخر كعمل العالم (باستور) مثلاً، أو يشتهي لنفسه حالة بعض الأوغاد الذين أدمنوا الخمر وعكفوا على احتساك كؤوسها في الغدو والرواح حتى طاحت بعقولهم وأفسدت ضمائرهم لأجابك بلا شك أنه يؤثر الحالة الأولى ويختارها لنفسه.
هذه حقيقة نقررها فهل يستطيع أحد إنكارها؟ هل يوجد في الناس من بلغ به البله والغباء أن لا تتأثر نفسه بمفاخر النبوغ ومحاسن الجمال وعظائم المجد والسؤدد؟ أظن أن مثل ذلك الإنسان لا يوجد ولم يوجد فيما مضى. ولو أنه وجد لما عناني من أمره شيء لأنني لا أعده إلا حيواناً في ذي إنسان. وما أقرره الآن يصدق على جميع الآدميين المتصفين حقيقة بمعاني الإنسانية وهو كاف للدلالة على ما أقصده. فإذا كانت الناس جميعاً يعجبون بحكمة (سقراط) ووفاء (ريجليس) وتقوى (فنسان دي بول) وزهده وورعه وتعلقت نفوسهم بهذه الفضائل ورجحوها على ما يأتيه صغار الأحلام من الانغماس في أقبح أنواع الشهوات واللذات فإن هذا الترجيح معناه حب هذه الصفات الفاضلة والرغبة في دركها والحصول عليها. ومهما تكن هذه الرغبة ضعيفة الأثر قليلة البقاء فإن في وسعنا أن نحوطها بالعناية والرعاية ونستعين في سبيل إنمائها وتقويتها بأصول علم النفس فتشب وتقوى وتستحيل إلى عزم ثابت لا يتزعزع، وبعد أن كانت تلك الرغبة نبتة ضعيفة تصير دوحة عالية تعجز هوج الرياح عن تحطيمها.
فإن قيل لنا إنكم بما تذهبون إليه قد فرضتم وجوداً حوال نفسية اضطرارية لا مفر للإنسان منها فكأنكم تذهبون مذهب القائلين بالجبر. ولكن اعتراضهم هذا لا يروعنا لأننا لا ننكر أننا نضم بين جوانحنا هذه الرغائب التي تضطرنا اضطراراً إلى عمل ما نعمل غير أنها كلها رغائب نحو معالي الأمور وتطلع نحو المفاخر والمحاسن ونفور من الدنايا والمقابح لا يشذ عن ذلك غير أفراد قلائل تصيب بالخبل في عقولهم فلم يعودوا يميزون بين الخبيث والطيب وهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.
الأخلاق الفاضلة ليست في حاجة إلى نظرية حرية الاختيار التي ألقيت على عواهنها وكانت داعية للقنوط من إمكان تربية الإرادة كما تقدم لنا القول. وإنما الأخلاق الفاضلة في حاجة إلى الحرية فلا أخلاق بلا حرية. والحرية غير الاختيار الحر. ثم أن الحرية لا تكون