للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا في النفس قارة في أعماقها وينبغي أن تخضع للعوامل النفسية صادرة عنها منفعلة بها.

ولأجل إدراك هذه الحرية ينبغي أن تصور مخيلة الإنسان خطةً ومنهجاً يختاره ويرضى أن يسير عليه ما عاش ثم يسعى إلى تحقيقه معتمداً في ذلك على معارفه وخبرته بأصول علم النفس إذ بها يتمكن من ضم بعض قوى نفسه إلى بعضها أو تفريقها وإبعادها عن الالتئام تذرعاً إلى إعلاء شأن تلك الخطة التي اخطتها لحياته وسيادتها على ما عداها من الخطط والمناهج ثم يستخدم في الوصول إلى غايته الزمن وهو العامل الأكبر والقوة العظمة في تحرير الأفكار وتجريدها مما يشوبها من الشوائب.

ربما كان رأينا هذا الذي بسطناه في الحرية لا يسر الناظر إليه ولا يستميله نحوه لما يكبد طلاب هذه الحرية من العناء والجهد في دركها بخلاف نظرية الاختيار الحر فإنها فرضت الإنسان حراً مالكاً لأمره يتصرف كيف يشاء. ولكن نظريتنا ترجح عليها بميزات عدة منها أنها مطابقة لطبائعنا النفسية والأدبية ومنها أنها لا تجعلها هزؤاً وسخرية بسبب التناقض البين بين ما ندعيه من أننا أحرار نفعل ما نشاء وبين كوننا في أسر أعدائنا الذين بين أضلاعنا (يريد المؤلف الخمول والشهوات وأذكر من ذلك بالحديث الشريف أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) ولو اقتصر هذا التناقض على أن المتأمل في علم النفس يراه فيلذه درسه والوقوف على تفاصيله لهان الخطب ولكنه يثمر أخبث الثمر فإنه لا يستقر في النفس حتى يبعث اليأس والقنوط من الاستمرار في المجاهدة. وعلاوة على كل ما تقدم أن من مضار نظرية الاختيار الحر أنها حالت زمناً ما بين أصحاب المدارك السامية والعقول الناضجة أن يطرقوا باب البحث في أحوال الإرادة وأطوارها والتعمق في تحليلها ودرسها درساً فلسفياً فكان هذا الإهمال خسارة للعلم لا عوض عنها ولا عزاء فيها.

الآن وقد أدحضنا بالحجة تلك النظريات الذائعة بين الناس المتعلقة بالإرادة وأفسحنا الطريق فيها علينا أن ندخل في غمار الموضوع ونشرع في درس الإرادة وتحليلها تحليلاً نفسياً.

الباب الثاني

في تحليل الإرادة تحليلاً نفسياً

الفصل الأول