لو كانت عناصر العالم النفسي بسيطة التركيب لهان على الباحث أن يتعرف على المصادر التي يستمد منها القوة في تربية الإرادة ويميز المواطن التي يأتي من ناحيتها الضعف الذي يحول بينه وبين ما يشتهي. ولكن هذه العناصر مختلطة بعضها ببعض اختلاطاً شديداً وممتزجة مزاجاً جعل تحليل الإرادة تحليلاً نفسياً دقيقاً عسيراً وليس من الهنات الهينات.
على أن المعروف أن هذه العناصر التي يتألف منها العالم النفسي قد يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام وهي. (١) الأفكار أو الإدراكات (٢) الأحوال النفسية أو الوجدانات أو الإحساسات أو المشاعر أو العواطف (٣) الحركات أو الأعمال أو مظاهر الحياة الخارجية أو الإرادة.
- (١) -
في أن الأفكار ليس لها تأثير يذكر بالنسبة لتأثير العواطف
الفكرة تشتمل على عناصر عديدة مختلفة ويتيسر للباحث في الروابط الكائنة بين قوة الإدراك وقوة الإرادة أن يميز نوعين من الأفكار وهما الأفكار التي تنبعث من النفس والأفكار التي ترد من الخارج فيدركها العقل.
ومن الواضح المعلوم أن أكثر الأفكار إنما ترد للإنسان من الخارج فلا تستقر في نفسه إلا كما ينزل المسافر في فندق ثم يزايله سريعاً أو كما قال مونتيني. لا يكاد الذهن يمسكها إلا كما تمسك الماء الغرابيل. لا متسع لقوة التفكير أن تعمل فيها عملاً ما وإنما تتلقفها الحافظة فتخزنها وتدعها مكدسة في قرارها تكديساً ولقد يكون منها ما تنتقص إحداها الأخرى. وكل إنسان منا يدرك أن في ذهنه عدداً عظيماً من الأفكار والآراء التي اكتسبها من القراءة أو من الأحاديث بل من الأحلام والخيالات والأماني وكلها غريبة عنا طارئة علينا انتهزت فرصة خمولنا العقلي فولجت في عقولنا مكتسبة ثوباً من الرفعة ومظهراً من العظمة والجلال بانتمائها إلى كاتب شهير أو أستاذ قدير وقد يكون إثمها أكبر من نفعها.
ففي الحافظة في هذا المستودع الذي جمع بين الخبيث والطيب من الأفكار والآراء تسرح أميالنا الحيوانية ويمرح خمولنا الغريزي تتلمس بين تلك الأفكار المخزونة فكرة تتوكأ عليها وتجعلها مسوغاً ومبرراً لوجودها ولما يصدر عنها من المظاهر ذلك لأن تلك الأفكار