للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخزونة ملك لنا وواقعة تحت تصرفنا فما علينا إلا أن نصفها صفاً ونستعرضها ونختار منها ما نشاء ونجعله مداراً للحركة والعمل وبذلك تكون أعمالنا دائماً موافقة لما وقع عليه اختيارنا من تلك الأفكار والآراء المخزونة في حافظتنا. ثم إن لنا على تلك الأفكار النفوذ الأعظم والسلطان الأكبر فإنما هي كلمات مجردة لا تستطيع أن تقف في سبيل الشهوات والأغراض.

فإذا اصطدمت بها تفككت أجزاؤها وتلاشت كما يتكسر إناء من الصلصال إذا صدمته قدر من الحديد.

حاول الموسيو فوييه في رسالة له أن يثبت أن للأفكار قوة

وأخذ يؤيد مذهبه هذا بالحجة والبرهان ولكنه لم يفطن إلى أنه إذا كان للفكرة قوة فإنما استمدتها من قوة القوى، من القوة الحقة أعني قوة الأحوال النفسية التي يعبر عنها بالإحساس أو الوجدان أو العواطف واكتسبتها بامتزاجها بها وارتباطها معها ارتباطاً محكماً متيناً. فإن الفكرة في ذاتها ضعيفة بنفسها كما تدل على ذلك التجارب والمشاهدات وشتان ما بين فكرة كل ما تستطيعه أن تريك أن ما هممت بفعله وصحت عزيمتك على إمضائه هو النهج القويم والصراط المستقيم وبين اعتقاد جازم وشعور ملازم يستثيرك ويستفزك ويحركك إلى إنفاذ ما يجول في خاطرك ويجيش في صدرك. والفكر إذا انفرد بمقاومة الشهوات الحيوانية وصد ثائرتها وحده بلا معين عجز عن ذلك كل العجز ولم يستطع الصبر والثبات على هذه المجالدة. على أن انفراد الفكر ووقوفه هذا الموقف مستحيل ما دام الإنسان في حالة الصحة والعافية لشدة ما بين الفكر والمشاعر من الروابط وإنما يتجلى للإنسان وهو في حالة المرض تلك الحقيقة وهي أن كل قوة تدفع الإنسان إلى عمل من الأعمال الكبيرة العظيمة فإنما مصدرها الإحساس وحده. نحن لا ندعي أن العقل مجرد من كل قوة وإنما الثابت لدينا أنه عاجز كل العجز عن صد الأميال الحيوانية التي تملك المشاعر وتنحط عليها بكلكلها.

ولقد ضرب الموسيو ريبو أمثلة عديدة أبان بها أن الإدراك وحده عاجز إلا إذا أسعفته الإحساسات والعواطف فمن ذلك أن رجلاً اتفق له حادث سر فؤاده وشرح صدره واقر عينه فانفعلت نفسه بذلك انفعالاً شديداً حتى لم تبد إمارات الجذل في أسارير وجهه من شدة