للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أدركه من الفرح ولكن فكره ظل على حاله غير متأثر بما وقع وبقي متمتعاً بقواه جميعها ومدركاً ما حدث فلم يستطع ذلك الرجل وهو على تلك الحالة أن يحرك يده للتوقيع على رقعة قدمت إليه. وكثيراً ما يتفق مثل ذلك لكل واحد منا في صبيحة ليلة ساورته فيها الهموم فأقلقت مضجعه وتركته مسهداً حزيناً منقبض الصدر.

ففي مثل هذه الأحوال جميعها يصيب الإنسان ضرب من الذهول والجمود مع بقاء قوته العقلية على حالها تدرك ما جرى وتعلم ماذا ينبغي فعله ولكنها عاجزة في نفسها عن دفع الإنسان إلى أي عمل من الأعمال إلا إذا شاركها الشعور وأمدها بالقوة والحول.

وإنني ذاكر لك ما وقع لي على سبيل المثال، ذلك أن خادمتي جاءتني في صبيحة يوم فأعلمتني أن زائراً ينتظرني في ردهة الإستقبال وكنت لا أزال راقداً في فراشي ثم بقيت أتقلب في الفراش متلذذاً بالدفء والرحة. وقد غاب عن ذاكرتي ما أبلغتنيه خادمتي. ثم سمعتها تتحدث مع هذا الزائر فأحسست بأن تثاقلي عن النهوض وتباطؤي عن ملاقاته مناف للذوق ومجاف لآداب المعاشرة واللياقة فنهضت وثباً وأسرعت إلى استقباله.

ومن الأمثال والشواهد التي ذكرها المسيو ريبو تعلم الفرق بين نتائج الفكر وبين نتائج الإحساس. ومن ذلك أن رجلاً أصيب بمرض في الإرادة فبات لا يستطيع أن يأتي بأية حركة إرادية ولكنه ظل حافظاً لقواه العاقلة كلها فحدث ذات يوم أن المركبة التي كان بها صدمت إمرأة فكان أول من وثب منها وركض لإغاثة تلك المرأة الجريح.

قد يحمل بعض الناس الحوادث المتقدم ذكرها على أنها أحوال مرضية لا يصح إطلاقها على الناس كافةً. نعم إنها أحوال مرضية ولكنها صورة مكبرة لضعف النفوس الذي يشاهد في الناس عادةً ولكنهم قلما يعترون بهذه الأحوال أو يحسبون لها حساباً. وذلك مثل البخيل الذي يشهد تمثيل رواية (موليير) ويسمع بأذنيه نوادر الشح وغرائب البخل مصورة مجسمة فيقهقه منها ويغرب في الضحك ولكنه قلما يعتبر بها أو يدرك أنها صورة مكبرة لذلك الخلق المرذول الذي هو عليه. وكذلك ضعيف الإرادة يرى بعض اللذين أصيبوا بالأمراض النفسية فلا يسلم بأن حالته النفسية إنما هي حالة صغيرة من هذه الأمراض على أنه مهما أصر على رأيه ولم يقتنع بأن قوة الإدراك وحدها لا تجزئ شيئاً وإنه لا بد من سلامة النفس من العلل والأمراض فلسوف تقنعه التجارب بأنه في ضلال مبين وأن الفكرة