للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدها ضعيفة في ذاتها قوية في بانضمامها إلى الإحساس. انظر إلى السكيرين تراهم يعلمون حق العلم عقبة الإدمان على السكر وما ينتجه من النتائج الوخيمة ولكنهم قلما يحسون ويشعرون بذلك إلا عندما تبدو لديهم أول علامات الجنون الكحولي فإذ ذاك يندمون ولات ساعة مندم. فلعمري ماذا أفادهم علمهم بهذه النتائج إذا كانوا لم يشعروا بها ولم تنفعل بها نفوسهم. فإذا وقعت الواقعة وحل بهم المرض والفاقة قالوا متوجعين ليتنا كنا علمنا. لقد علمتم ولكنكم ما كنتم تشعرون. والشعور هو صاحب الكلمة العليا والأمر النافذ على الإرادة.

تقدم الكلام على تلك الأفكار المخزونة في الحافظة التي لا تنفذ إلى أعماق النفس وليس لها أثر فيما يصدر من الإنسان من الأفعال ونقول الآن أن هناك نوعاً آخر من الأفكار يستعين ببعض العواطف الوقتية فينتج بعض النتائج ويكون له شأن في دفع الإنسان إلى الحركة والعمل. مثال ذلك أن رجلاً قضى بضعة أيام في بيته ملتزماً العزلة والسكون ممتعاً نفسه بالراحة والخمول يقطع أوقاته في القراءة وكلما هم بكتابة فصل من كتابه الذي شرع في تأليفه وأزمع إبرازه للجمهور أحجم عن ذلك ضعفاً منه وخوراً في عزيمته فبينا هو على هذه الحال إذ حضر البريد فحانت منه إلتفاته في إحدى الصحف فرأى أن زميلاً له نشر كتاباً حاز إقبال الجمهور ورضاه فاشتعلت نار الغيرة في فؤاده وشحذ عزيمته حب المباراة والسبق فعاد إلى الكتابة وانكب عليها وما زال حتى أتم مؤلفه. فما عجزت عن عمله الفكرة والقياسات المنطقية جعله مجرد انفعال نفساني وهو عاطفة الغيرة أمراً ممكناً ميسوراً. على أن عاطفة الغيرة معدودة من عواطف الدنيا.

إني لأذكر دائماً حادثة وقعت لي فأرتني جلياً الفرق بين الفكرة والإنفعال النفساني ذلك أنني كنت في بعض السنين أروض النفس في جبال الألب وذهبت ذات يوم قبل شروق الشمس أصعد الجبل فأدى بي المطاف إلى اجتياز طريق مكسوة بالثلوج ومنحدرة انحداراً شديداً ينتهي إلى هاوية مظلمة بعيدة القرار وكنت أسير في هذه الطريق إنزلاقاً على الجليد فلم أفقد صوابي بل علمت ما أنا فيه من حرج الموقف وسوء المغبة وأيقنت أنني هالك لا محالة على أنني تجلد وتملكت رباطة جأشي واعتمدت على عصاي المحددة الطرف فأمكنني أن أتئد في سيري حتى صار أبطأ مما كان وسرت الهويناً حتى اجتزت هذه