الطريق برفق وحذر ووصلت إلى اليبس وتسنمت الصخر وقد نجوت من الخطر فارتعد عند ذلك جسمي ارتعاداً شديداً من جراء التعب والإعياء ثم أخذ قلبي يخفق خفقاناً متتالياً وتصبب مني العرق البارد وأدركني في تلك اللحظة خوف شديد ووجل طارت منه نفسي شعاعاً ذلك أنه في تلك الآونة استحالت فكرة الخطر إلي إحساس وشعور بالخطر.
ومن بين تلك الأفكار التي ترد من الخارج وترتبط ارتباطاً وقتياً بالعواطف التي تثور ثم تخمد سريعاً ما هو أدخل في النفس وأعلق بها وأشد بها ارتباطاً ومنا تمكناً وهو عبارة عن أفكار ترد من الخارج أيضاً كسابقتها التي شرحناها غير أنها لا تتحد إلا مع العواطف الأصلية الغريزية. أفكار من طبيعة تلك العواطف وعلى شاكلتها فتمزج بعضها ببعض امتزاجاً لا يسهل معه الفصل بينها حتى تتشابه فيلتبس الأمر ولا يعلم إن كانت الفكرة هي التي استغرقت العاطفة أو العاطفة هي التي استغرقت الفكرة وأدمجتها في بنيتها، ومما يعين على سبك هذه السبيكة وصبها في ذلك القالب أن الفكرة الطارئة من الخارج تندمج أيضاً في الأفكار التي تتولد في النفس وتفيض منها وهي التي تعبر تعبيراً صحيحاً وتدل دلالةً ناطقةً على كنه الأخلاق ومنازع النفس وأميالها وما هو مستقر في أعماقها من الخواطر والسوائح وفي أثناء هذا الإدماج يصبغها الإحساس بصبغته ويمدها بشي من حرارته حتى ليخيل إلى من تأمل فيها أنها عواطف منبعثة من النفس وليست أفكاراً مصدرها الإدراك والتعقل ثم تظل بعد هذا التحول الذي طرأ عليها باقية في الذهن حافظة لقوتها وحرارتها التي استمدتها من العواطف. إن المواد التي تسيل على جوانب البراكين مصهورة ثم يبترد سطحها تبطن في أحشائها مواضع بها أجزاء تظل سائلة وتبقى أعواماً طوالاً حافظة لحرارتها الشديدة. فما أشبه هذه الأجزاء بتلك الأفكار في كمونها في النفس على حرارتها حتى يتاح لها أن ينقدح زنادها ويتطاير شررها. هذه الأفكار هي التي توحي إلى صاحبها المعاني وتلهمه الآيات وتنفث فيه السوانح فيما يعانيه من كبريات المسائل وعظائم العزائم المفتقرة إلى الجهد الكثير والتفكير الطويل.
وأعلم أن هذه الأفكار بما لها من الصلة المتينة بالعواطف أصبحت شبيهة بها وعنواناً عليها وواسطة تتنقل بها بين القلوب وتحل بين الجوانح والأفئدة ولولاها لظلت العواطف في مكانها نكرة لا تعرف ومجهولاً لا يهتدى إليه، وذلك لأن العواطف من طبيعتها بطيئة ثقيلة