الحركة ومهما كانت قوتها في قلب صاحبها فإنه يشعر بها شعوراً يشوبه اللبس والإبهام والغموض فلا يجد إلى الإفصاح عنها سبيلاً. وأما الفكرة فإنها لينة مرنة تنتقل على أهون سبيل من عقل إلى عقل متبطنة العاطفة التي تعبر عنها فتفعل في النفوس فعلها.
فأنت ترى من ذلك أن الأفكار التي من هذا القبيل مباينة كل الباينة للأفكار الطارئة من الخارج التي وعتها الحافظة وخزنتها في وعائها. هذه ألفاظ سيالة تنتهي بمجرد النطق بها وليس لها في النفس الإنسانية من أثر يذكر وتجعل من صاحبها رجلاً قوالاً غير فعال. وأما تلك فإنها ذات أصول تستمد بها قوتها وبأسها من ينبوع العواطف والأميال والشهوات المستكنة في قرارة النفس.
فإذا تولدت فكرة من هذا الطراز في نفس مستعدة لقبولها حدث كما يحدث من خاصتي الإنتقال والتجاذب في السوائل المتجاورة أمران حقيقيان بالعجب. الأول أن الفكرة تجذب إليها العواطف الصالحة لإخصابها فتتغذى منها وتترعرع وتقوى، والثاني أنها تنقل إلى العواطف ما اتصفت به من الجلاء والوضوح وتوجهها إلى الغاية المنشودة وتهديها سبلها. وكما أن المغناطيس يجذب بردة الحديد ويجعلها دوائراً وصفوفاً في غاية النظام والإحكام كذلك الفكرة توجه العواطف المتباينة إلى وجهة واحدة وتهدم ما بينها من الفوارق والتناقضات. تكون العواطف في قلب صاحبها خليطاً مشوشاً مضطرباً فتتسلط عليها الفكرة فتجمعها بعد شتاتها وتنظمها بعد انتثارها وتضم أطرافها وتسلك بها المنهج القويم والحجة الواضحة. لذلك تجد الجماهير في الشعوب الديمقراطية تخفق أفئدتهم بأماني ورغائب يتطلعون محوها ويشرئبون إلى تحقيقها ولكنهم قلما يفهمون كنه ما يجيش في صدورهم منها حتى يقف بينهم خطيباً زعيم من زعماء السياسة المعروفين لديهم فيقول كلمة تصادف هوى من نفوسهم وتقع على موضع الألم من أفئدتهم فسرعان ما تجتمع كلمتهم على غاية واحدة وتتفق أغراضهم في سبيل واحد بعد أن كانت عواطفهم فوضى لا نظام لها ولا ثمرة ترجى من غليانها في صدورهم.
هذه حال الأفكار إذ اانضمت إلى العواطف وارتبطت معها وأما إذا بقيت وحدها فإنها تظل عاجزة عن صد تيار المشاعر الطبيعية والإنفعالات الغريزية ودفع استبدادها وتحكمها مثال ذلك أنه قد يحدث للإنسان في بعض الليالي أن ينقبض صدره وتنتابه المخاوف بلا سبب