للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقسى قلبها أنه عد نسوة أسرته قوالب لها تحتذيها ألم يفهم بعد أن النساء يكرهن أن ينصح لهن بأن يقتدين بنسوة غيرهن.

وهنا نظرت إليه عن جزع ودهشة. وشعرت الآن أنه لو حاول أن يجالسها لما استطاعت إلا أن ترده عن مداناتها، بل لو حاول أن يكلمها إذن للقيته بجواب فظ حاد. وكان جالساً إلى مائدة الطعام وظهره إلى ناحيتها وقد اعتمد رأسه بيديه.

جلس صامتاً يتكلم وساد بينهما سكون، والسكون أكبر سلاح يهزم المرأة. إن المرأة تستطيع أن تحتمل ممن تحب القول الغليظ والكلمة المتجافية، واللغة النافرة لأنها تستطيع أن ترد عليها بمثلها وأما سكون من تحب فاحتجاج لا طاقة لها باحتماله.

فبعد تردد قليل نهضت مرسى عن المتكأ فتقدمت متذللة طائعة نحو المائدة.

لقد أهانته. وهي وحدها الأثيمة.

الله للمسكين كيف يستطيع أن يعلم باضطرابها عندما كان يضايقها بأسئلته عن براءة وحسن نية.

ودنت منه خطوة فخطوة وظل هو لا يتحرك ولا يلتفت وجاءت فوضعت يدها بجبن فوق كتفه وهمست في أذنه: هوراس أصفح عني إني مريضة اليوم. إني متعبة لم أكن أقصد شيئاً بما قلت: رحمتك يا هوراس ومغفرتك.

فلم يستطع هوراس أن يغالب هذا الحنان الذي فاض في صوتها وكلماتها فرفع رأسه وأخذ يدها في يده وانحنت هي فلمست جبينه بشفتيها وقالت هل صفحت عني؟ فأجاب آه يا عزيزتي لو تعلمين كم أنا أحبك.

فأجابت في رفق وهي تلوي قطعة من شعره حول إصبعها إني أعلم ذلك.

وانطلقت روحاهما في عالم الحب وظلا تائهي الخاطر، ولو أنهما انتبها إذ ذاك لسمعا صوت باب المكتبة وهو يفتح.

وكانت اللادي جانيت قد فرغت من الكتابة إلى ابن أختها فعادت لتبر بوعدها لهوراس فتشفع له عند حبيبته. فلما فتحت الباب بكل هدوء إذ بها ترى العاشق الصب يتشفع لنفسه بنفسه فقالت لنفسها لا حاجة إذن إلي ثم أقفلت الباب ثانيةً بخفة وسكون وتركت المحبين في خلوتهما.