للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجلس إلى قربها. هذا الرجل هز روحها هزاً من فوق ذؤابة منبره. وهي تصغي إليه من أقصى الكنيسة ولا يراها. هذا هو الآن إلى قربها ينظر إليها نظرة ممعنة فاحصة. يرى سرها المعيب يطل من عينيها، ويسمعه من تضاعيف صوتها، ويحسه في رعشة يديها، ويخرجه من أعماق فؤادها بكلماته حتى تقع راكعة على ركبتها أمامه، مدلية باعترافها وخدعتها.

فسقط رأسها الجميل ثانيةً فوق الوسادة، وأخفت وجهها بيديها فزعاً من هذا المنظر الذي تخيله ذهنها.

ومضت الدقائق سراعاً، وأخذ اضطراب ذهنها يتجلى الآن في كل قطعة من بدنها النحيل المهزول.

وشعرت بأنها تبكي دون أن تدري، وبدأ رأسها يتراوح وأعصابها ترتجف، فاضطجعت فوق المتكأ متراخية فوق الوسائد، وأغمضت عينيها، وأخذت دقات الساعة المعلقة فوق الجدار تضعف وتغيب عن سمعها، ولم تلبث أن أخذت جفنيها إغفاءة، وكانت إغفاءة خفيفة حتى لقد أزعجها تنزي الأطيار فوق الآيك في الحديقة.

ودخلت اللادي جانيت وهوراس في تلك اللحظة، وشعرت بحفيف الثوب، كأنها تشعر به في حلم، ولكنها لم تكد تفتح جفنيها حتى كانت الحجرة خالية، إذ انطلقا من الحجرة في خفية، ليتركاها تستريح. فأغمضت عينيها ثانيةً، ولم تلبث أن راحت في سبات عميق!

الفصل الثامن

ظهور جوليان جراي

وانتبهت مرسى بعد فترة سبات على صوت باب زجاجي ينفتح في أقصى حجرة الزهر، وكان هذا الباب يؤدي إلى الحديقة ولا يدخل منه إلا أهل البيت وأصحابهم المقربون وخلصاؤهم الأعزاء عليهم. فظنت مرسى أن اللادي جانيت عائدة إلى قاعة الطعام، فنهضت قليلاً عن المتكأ وهي تتسمع. وبلغ سمعها إذ ذاك صوت الخادم، وأجاب هذا الصوت صوت آخر، ولم يكد يصل إلى أذنها، حتى ارتجفت أشد رجفة وإذ ذاك نهضت مرتعبة وعادت تتسمع، وهي لا تستطيع أن تتمالك أنفاسها المضطربة الراجعة. أجل. قد عرفت هذا الصوت الأجش العميق. إن هذا الصوت الذي أجاب الخادم هو الصوت