المضطجع في فؤادها، هو الصوت البعيد الذي سمعته في كنيسة الملجأ. إن الزائر الذي دخل من باب حجرة الزهر. هو. . . . . جوليان جراي!
وكانت خطواته تدنو سريعاً من قاعة الطعام، فتمالكت نفسها وانطلقت بسرعة إلى باب حجرة المكتبة، ولكن يدها المرتجفة لم تستطع أن تفتحه، فراحت تعالجه مرة، ولم تكد تنجح في فتحه حتى سمعته ثانيةً. . . . يكلمها.
وكانت هذه كلماته أرجو أن لا تهربي. إني لست رجلاً مخيفاً، أنا لست إلا ابن أخت اللادي جانيت. أنا جوليان جراي!!
فالتفتت إليه مسحورة من صوته وواجهته في صمت وكان واقفاً إزاءها، وقبعته في يده، وهو في لباسه الأسود ورباط رقبته الأبيض، وفي سمته البعيد عن سمت أهل الكنيسة، وكان يبدو على وجهه - على الرغم من شبابه - دلائل الهم وتفاريق الشجن، وكانت جبهته منحولة الشعر، مهلل العارض، وكان ربعة القوام، شاحب المعارف، لا لحية ولا شارب، تطل كل روعته، ويشرف عليك كل جلاله من عينيه، أجل. إن عينيه كانتا مستودع كل جماله. وانطلق يكلمها بكل أدب واحترام. .
قال. دعيني أتوسل إليك أن تتفضلي بالعودة إلى مجلسك.
ثم اسمحي لي أن أستغفرك إذا هجمت على الحجرة هجوماً!. . .
وهنا تمهل، ينتظر جوابها، قبل أن يتقدم في القاعة. فاستطاعت أن تتمالك نفسها من الرعب، فأحنت رأسها إليه وعادت إلى مكانها من المتكأ.
فنظر إليها هنيهة ثم خطا في القاعة متقدماً، وقد بدأت دهشته تثور في فؤاده عند رؤيتها. إذ جعل يقول لنفسه حزن عظيم غير عادي قد طبع طابعه فوق وجه هذه المرأة. إن في جانحة هذه المرأة قلباً ليس كقلوب الناس. ليت شعري من تكون؟. .
فاستجمعت مرسى قواها وجاهدت نفسها لتكلمه.
قالت بحياء وخوف إني أظن أن اللادي جانيت في حجرة المكتبة فهل أنبئها بقدومه؟
قال. كلا لا تزعجي اللادي جانيت. ولا تزعجي نفسك
وعند ذلك تقدم إلى المائدة الطعام، تاركاً لها الوقت لتهدئة جأشها، ثم عمد إلى الزجاجة التي كان يشرب منها هوراس فصب جميع ما فيها في قدح، وقال وهو يبتسم ملتفتاً إليها مرة