بأسماء وألقاب أقسى من كلمة المتطرف وقد أنبأتك منذ لحظة أنني كنت قبل أن أنحدر إلى هذا المكان في إقليم قروي. وكان عملي هناك أن أقوم في القرية مقام قسيسها وكان قد مضى إلى إجازته. فهل تتصورين ماذا كانت النتيجة. إن صاحب القرية قد سماني اشتراكياً وأما الفلاحون فلقبوني فوضوياً ثورياً. فاستعيد صديقي قسيس القرية في الحال ليستلم مني عمله. وأما الآن فلي الشرف بأنني أكلمك وأنا في نظر الناس رجل مطرود. أثار قرية بجملتها، فلم تستطع أن تحتمله.
وهنا ترك مجلسه من المائدة، وجاء فاتخذ له مقعداً بجانب مرسى بكل بساطة وصراحة، ومضى يقول. . وأنت ولا ريب ترغبين في أن تعرفي ما هي الهفوة التي ارتكبتها. فهل تعرفين شيئاً من علم الإقتصاد السياسي وقانون العرض والطلب.
فأجابت مرسى بأنها لا تفهم من ذلك شيئاً.
فقال - ولا أنا أيضاً. في بلد مسيحي. وهذا هو ذنبي. وأنت ستسمعين اعترافي في كلمتين، كما ستسمعه خالتي. وهنا تمهل قليلاً وتغيرت هيئة وجهه، ورأت مرسى إحساساً غريباً يطل من عينيه. إحساساً ذكرها الآن به أول رؤيتها له.
وعاد يقول. إني لم أكن أعرف من قبل أسلوب الحياة التي يعيشها الفلاحون، حتى أقمت في الريف مكان صديقي القسيس. ولم أكن شهدت في حياتي ما شهدت إذ ذاك هو البؤس والمتربةوالآلام التي التقيت بها في الأكواخ والخصائص ما رأيت صبراً مثل صبر هؤلاء المنكودين المعذبين. إن شهداء الزمن القديم كانوا يتحملون ويصبرون ثم يموتون، ولكني أسأل نفسي هل كانوا يستطيعون أن يتحملوا ويعيشوا كالشهداء الذين وجدتهم حولي في القرية، يعيشون الأسابيع والشهور والأعوام، على حافة الجوع وضفاف الحزن، وساحل الحاجة، ويرون أطفاهم وضوار الجوع يستعر في أحشائهم، ينبتون ورائهم ليعيشوا مثلهم على الحرية والحاجة. فهل خلقت أرض الله الجميلة لتحمل شقاء مثل هذا. إني لا أستطيع أن أحدثك الآن عن ذلك، دون أن تندي عيناي بالدموع.
وإذ ذاك أطرق رأسه حزيناً، وتمهل ليمسك عليه جأشه وحسه والآن عرفته مرسى مرة أخرى. أجل. هذا هو بعينه الرجل الذي توقعت أن تراه، وكذلك ظلت جالسة تنظر إليه معصبة وهي لا تشعر وقلبها معلق في ألفاظه واثباً مع كل كلمة من كلمه.