للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وراح مستطرداً ففعلت كل ما في وسعي للدفاع عن هؤلاء المساكين المكدودين، وانطلقت أطوف بأصحاب الأرض والمالكين أسترحمهم للزارعين، وأستعطف قلوبهم لأجل الذين يعملون في الأرض، أقول لهم إن هؤلاء الصابرين لا يطلبون كثيراً، ولا يسألون كبيراً، باسم رحمة الله. إكفلوا لهم العيش آمناً، والحياة غير قاتلة، وهنا صرخت في وجهي نظريات الإقتصاد السياسي، وولولت قوانين العرض والطلب ونظرت إلي متجهمة عابسة، إذ نبؤوني أن الأجور التي يتناولونها هي أعدل الأجور، وإن الجزاء الذي يجزونه عليهم أحق الجزاء، ولماذا؟ لأن الفلاحين مكرهون على قبولها فعزمت أنا على أن أجعل الفلاحين غير مكرهين على قبول أجور الجوع - فجمعت قواي - وحشدت وسائل دفاعي فكتبت إلى أصحاب لي عديدين في بلاد المملكة وأنحائها، ونصحت لكثيرين من فلاحي القرية أن يتحملوا منها إلى بلاد أخرى حيث يجدون أجراً أطيب، وعملاً أهدأ، وحياة أقل ظلماً. هذه هي الجريمة التي لم أقبل من أجلها. ولكني غير مصروف عن نيتي، ولا عادل عن عزمي. إن لي صحابة كثراً في لندن - وأنا فيها مذكور الإسم - وأستطيع أن أقيم الإكتتابات وأفتح السبيل إلى التبرعات، وسيجد قانون العرض والطلب العمل قليلاً في ذلك الإقليم، وسيضطر الإقتصاد السياسي أن ينفق عدة شلنات زيادة على الفقراء. ما دمت أنا ذلك المتطرف، الإشتراكي، الثوري ـ. . . جوليان جراي!.

وعند ذلك نهض، وانطلق يدور في الحجرة، وثارت الحمية في فؤاد مرسى من حميته، فحذت حذوه، وكان كيس نقودها في يدها، عندما واجهها.

قالت بلهجة وصدق. . أرجو أن تدعني أن أقدم جزيتي الصغيرة. .

وهنا انتشر ظل الإحمرار على وجنتيه الصفراء، ونظر إلى وجهها الرحيم الجميل وهي تحس إحساسه.

قال مبتسماً. . كلا. كلا. إنني، وإن كنت القسيس، لا أحمل صندوق الصدقات معي في كل مكان، فحاولت مرسى أن يكون الكيس في يده، وعادت نزعة المجون تشرق في نظراته فقال وهو ينسحب قليلاً. . كلا. كلا. لا تحرضيني أن أسرع الناس انقياداً، وأطوعهم للحض والإغراء، قسيس يغري على أخذ تبرع.

ولكن مرسى أصرت على أن يأخذ، فانهزم لها حتى يثبت صحة ملاحظته عن طبائع