للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

زهقت نفسها وطاحت روحها. وارتمى الزوج على كرسي بجانب السرير واشتبكت يداه على جبينه الملتهب وجعل يصفح بنيه وكلما التقت عينه بعين عبرى نكس بصره وأغضاه ولم يعزه أحد في مصيبته ولا رق له بل نفروا منه جميعاً واجتنبوه ولم خرج يترنح من الغرفة لم يحاول أحد أن يتبعه ليواسيه.

لقد مرت به أيام لو نزل به فيها مثل هذا الخطب لتسابق إخوانه إلى ساحته ليشاطروه أحرانه ويضربوا له الأسى وأين هم الآن؟ لقد جفاه الإخوان والأقارب والناس جميعاً واجتووا عشرة السكير وعافوا صحبته ولم يحفظ له العهد في الرخاء والجهد والشدة والخفض والاعتلال والفقر غير زوجته وكيف كان جزاؤها؟ لقد جاء يتمايل من الخمارة ليشهد موتها.

وخرج من البيت وانصلت يعدو في الشارع وقد ننازعه الندم والخوف والخجل وغلب عليه الشراب وذهب بعقله ما رأى في ليلته فعاد إلى الخمارة التي تركها منذ قليل. وطيف عليه بالكاس بعد الكاس فدبت الخمر في عظامه وعملت فيه الصهباء الموت. شريعة كل الناس واردها. وما كانت إلا فرجاً مثل كافة الناس. ولقد انقضت أيامها فأي غرابة في ذلك أو بأس. لقد كانت أبر مني وأمثل ولقد قال لي ذلك أهلها مراراً لعنهم الله. ألم يقطعوها ويجذموا حبلها ويتركوها تنطع مراحل الوقت بالبكاء. لقد ماتت ولعلها اليوم أسعد حالاً ولعلني. فاسقنيها بحتا صراحا ما أعذب طعم الحياة وأحلى مذاقها.

ودرجت الأيام وتصرمت الليالي وشب من بنيه أربعة أخطاتهم المنايا فجاوزوا حد الصغر وأبوهم على ما يعهد القارئ من الفقر المدقع وضعة الشأن ودناءة المنزلة والإدمان وكان قد فر من أولاده الغلمان فتشردوا في الشوارع وبقيت البنت تكدح له وتصل نهارها بالليل وصباحها بالمساء ابتغاء الرزق وكلما كسبت شيئاً سلبها إياه تارة بالقول اللين وأخرى بقرع العصا وصرفه في الخمارة ولبث على هذه الحال ردحا من الزمن وفي ليلة ليلاء من ليالي الشتاء بمم داره في الساعة العاشرة - وذلك خلاف عادته ولكن الفتاة كانت مريضة فلم يجد ما يصرفه في الخمارة - أقول في الساعة العاشرة من هذه الليلة يمم داره فسار وهو يحدث نفسه ويقول أنه ينبغي أن يسألها مم تشكو (وهو مالم يتكلفه حتى اليوم) أو أن يستوصف لعاتها لتقوى على السعي والكسب: