برهة حتى دخل عليهما أبوهما يترنح من السكر وقد عبقت به أنفاس لحمياً وصرعته الخمر.
وجسته الفتاة بعينها فأدركت أنه سكران طافح فدنت منه والشمعة في يمينها. غيرانها وقفت بغتة وصرخت ثم هوت إلى الأرض فاقدة الإحساس فقد رأت خيال رجل على الأرض. ودخل اثنان (يعرفهما القارئ) وما هي إلا وثبة ثم صار الفتى أسيراً يرسف في الأغلال.
وقال أحدهما للأخر لقد أدركنا طلبتنا عفواً صفواً وقيدنا أسيرنا في سراح ورواح فشكرا للشيخ أبيه. أنهض الفتاة ياتم. وأنت يا سيدتي تعزى وكفكفي الدمع فإن البكاء لا يرد هالكاً قضى الأمر ولا حيلة لك فيما لا تستطيعين دفعه.
فانثنى الفتى على أخته برهة يقبلها ويودعها ثم انثنى على أبيه يلعنه وكان قد تطرح إلى الحائط وجعل يرمقهم جميعاً بعين من غبى عنه معنى ما يرى فقال الفتى لأبيه راعني سمعك ياأبي إن دمي ودم أخي في عنقك. ضيعتنا صغاراً فستسأل عنا كباراً ما أعرفك حنون علينا يوماً أو عطفت. أو عنيت بنا أو حفلت. وما أظنك ترجو أن أغتفر جريمتك وأهب لك فعلتك وقد علمت أن ذنبك لا تسعه مغفرة ولا تتغمده رحمة. فأنا لا أغفر لك ولا أعفو عنك حياً وميتاً. مت كيف شئت ومتى شئت فإني معك. إني أكلمك وأنا في عداد الموتى فاعلم أن الله لا يتجاوز عن جرمك وسيجتمع بنوك جميعاً يوم تقف أمام خالقك ويطلبون منه بلسان واحد أن ينتصف لهم منك ويجزيك بإساءتك ولتعلمن نبأه بعد حين
ورفع يده مثقلة بالحديد بتوعده ورشقه بنظرة قام لها قلبه وقعد ثم خرج يمشي على هينته ولم يره بعدها أحد.
ولما تمزق ستر الليل وتنفس الصبح في تلك الحجرة الحقيرة انتبه واردن فلم يجد معه أحداً فهب ونفض الغرفة فوجد الفراش القديم لم يمسسه أحد وألغى كل شيء كما رآه أخر مرة وإذا كل الدلائل تبنى أن المكان لم يبت به أحد سواه. فسأل جيرانه وسائر السكان فاجتمعت كلمتهم جميعاً على أنهم لم يروا الفتاة ولا سمعوا لها حساً فخرج إلى الشوارع وجعل يقلب طرفه في كل أنثى بائسة ثم رجع أدراجه وقد أنبت حبل رجائه وتقلص ظل أمانيه ولما زحف الليل آوى إلى غرفته محلول العرى مهدود القوى يئن من التعب ويتوجع من الكلال.