الاسم فيما مضى من الزمان علماً على بطل جليل وشهم نبيل. وهو ذلك الاسم الذي ضج به الآلاف المؤلفة من عباد الله منذ خمسمائة عام في مدينة فينيس - زينة البحر وعروس الماء - وكان جيش العدو أزاءها بالمرصاد فلما دوت في آذانهم صيحة الفينسيين دوندولو! وارتجت لها أرجاء الدأماء. ومادت جوانب الغبراء. ورجعت صداها القبة الزرقاء. طارت قلوب الأعداء فزعاً. ونحبت أفئدتهم هلعاً. بينما الفينسيون تارجعت هممهم. وهبت عزائمهم لتلك الصيحة التي تضمحل عندها زماجر الرعد القاصف. وتتضاءل لديها جلاجل المدفع القاذف. واها لهاتيك الأيام يا بنكس! وهنا تميل الفتاة على ذراع خليلتها وتغمزها غمزة امرأة ضاق بالكتمان صدرها ثم تقول أليس عجيباً يا بنكس أن يبقى أحد ذرية هذا البيت المجيد. ذى الحسب العتيد. والسؤدد الوطيد. حتى يومنا هذا وإنه ما بقي إلا لكي يعشقني؟ ولكني أنا أيضاً كما تعلمين من بنات البحر.
وإنما قالت أنها من بنات البحر لأن أباها كان سماكا. وكانت قد أكثرت من قراءة القصص والحكايات وأشرب عقلها ذخرا وافراً من الخياليات حتى استبد الخيال في نفسها بالتمييز والتدبر وتغلب الوهم في ذهنها على النظر والتبصر. وكان أبوها قد أقصاها عن داره فبعث بها إلى هذه المدرسة لما رآها عشقت فتى من غلمان حانوته. عل في أقصائها ذلك ما يشفيها من داء الهوى وهيهات ليس لداء الحب من شاف.
ما للمحب إذا تفاقم داؤه ... غير الحبيب يزوره من راق
لا أستفيق من الغرام ولا أرى ... خلوا من البرجاء والأوصاب
فكان لا يلذها إلا أحاديث الحب ونوادر العشاق ولا تقرأ من القصص إلا الغرامية ولا من القصائد إلا الغزلية ولا تزال تحفظ خصلة من شعر الشاعر الغرامي توماس مور وقطعة من شعره. وكذلك بدا المستر دوندولو لظنها المكذوب ووهمها المخدوع كأنه نجل بيت من أشرف بيوتات فينيس فحسبها لذة وفخرا أن يعشقها وتعشقه.
وكانت المسز اديليز قد أحرزت بفضل زيادة كانت تدفعها في أجر التعليم مزيداً في امتيازات جعلتها أكثر حرية من سائر الطالبات فمن ذلك أنه كان يمكنها الطواف في ضواحي المدرسة مع صاحبتها بنكس وزيارة المكتبة وحدهما والذهاب في بعض حاجات سيدة المدرسة والمسير إلى الكنيسة لا ثالث لهما. وأنه ليسوءني جداً أن أخبر القارئ أن