أنها لم تستطع إلا لهفاً عليه. وحنيناً إليه. وادكاراً له. وجنونا به.
أما دوندولو فكان قد اهتدى إلى دار أبيها فجعل يذهب ثمت ويطوف بالبيت يتحين الفرص لاستراق اللمح ويرصد الغفلة لاختلاس النظر وكان يرقب الفتاة في غدواتها إلى الكنيسة فيقفو أثرها. وكم من مرة كنت ترى العاشقين يتلاصقان في الزحام فيشفيان ببرد التلامس حر غليل الفؤاد. ويأسوان بالتضام جراح الأحشاء والأكباد. ويدس الفتى إلى الغادة في شفاعة الزحام رقعة تشرح الهوى. وتصف الجوى. فسرعان ما تختطفها الفتاة فتلفها في منديلها أو تجعلها تميمة لصدرها. كل ذلك بحيلة الهوى! قاتل الله الهوى! فما ألطف حيلته. وأكثر وسيلته. وأنجح وساطته وأكرم شفاعته وما أصح تفكيره. وأبلغ تدبيره فهو الملئ بأن يتخذ من خيط العنكبوت سلما إلى غايته. ومن الشعرة سبباً إلى حاجته!
وكذلك كنت ترى العاشقين وإن باتا من لذة اللقاء محرومين ولكنهما أصبحا بلذة التراسل فائزين وقد تمكنت الغادة برشوة الخادمة من إرسالها للفتى تسعة كتب في الأسبوع كان يرد إليها منه الرد على معظمها.
وإليك بعض تلك الرسائل وهي من الفتاة إلى خليلها.
ماذا طرأ على حبيبي دوندولو من سوء الحال وتغير الهيئة؟ ولماذا أراه في تلك الثياب الرثة. أبه فقر. أم به تنكر؟ وهل ركبه دين فادح. أو ورى كبده حزن فادح. أم ألحت عليه الغرماء. أم طارده طالب بدماء ألا ليت أني على معونته وحوطه قديرة. فإني بذلك مليئة وجديرة اديليزا.
ذيل - لما أعلمه عنك من حبك السمك بعثت إليك بحيتان كالتي تشتهيها مع خادمتي سوسان اديليزا
ملحق - أتحب المحار؟ ستحضر لك الخادمة كمية من منديل من الحرير عليه رباط من شعر حبيبتك ايليزا
ذيل - مع الرسول وعاء من شهد وخابية من نبيذ بوردو. فياليتني في هذه الخابية اديليزا
فيظهر من تلك الرسالة أن دوندولو قد تغير زيه بتغير حاله. وأنه يلبس لكل دهر ملبساً ولك دعوى زيا فلما ادعى أنه من أسرة كريمة طليانية وأنه أستاذ لبس حلي فاخرة. حتى إذا أسلمته جنايته إلى العدم والأتراب وأفضت به جريمته إلى الفضاء والتراب. راح في