للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتحقق الشخص من شخصية الميت الذي فقده ويرى أنه في لهفة واشتياق إلى مخاطبة أقاربه وإرسال رسائل لهم، وهي رسائل محبة وعطف في الغالب. وتحقيق شخصية وإثبات وجود.

قال السائل هل لك يا سيدي أن تذكر لي طائفة من هذه الأمثلة؟

فأجاب السر أوليفر: خذ مثلاً شاباً قتل في هذه الحرب وتصور أن أبويه استطاعا أن يتخاطبا معه فإنه سيحييهم كعادته يوم كان في هذه الحياة ويدعوهما بامسيهما، أو قد يناديهما بأسماء الدلال التي اعتاد البنون أن ينادوا بها آباءهم وقد يسألهما عن أخوته وأخواته بأسمائهم جميعاً أو بما يشير إليهم من طرف خفي، لأن الأسماء في بعض الأحيان متعبة من ناحية الوصول إليها، وقد يذكر أدلة وتعليقات وغشارات معروفة تميزهم عن أبويهم، وكثيراً ما يذكر ما يدل على أنه يعرف ما يفعلون إذ ذاك والأمر الذي يشتغلون به وقد يبسط معالم هيئته وشكله، وقد يذكر الواسطة علامات وإمارات صغيرة ولكن حقيقية كالبقع في الوجه أو الخدوش أو الحالات أو علامة من العلامات المختلفة.

وأما عن ذكر الحوادث فإنني لأذكر أن في حالة من هذه الحالات قال ميت من الفتيان لأبويه أنه كان قد ضرب موعداً بينه وبين أخيه على اللقاء في فرنسا على كوبري معرفو فلما توافيا إلى الموعد وأقبلا إلى المكان المضروب لم يكت للكوبري أثر بل طار على أثر القذائف وتبدد من القنابل ثم جاء بعد ذلك خطاب من أخيه الذي عاش بعد هذا الحادث، ونجا من القذائف مؤيداً هذا الأمر مؤكداً هذه الحقيقة. وكان الأبوان لا يعرفان من هذا شيئاً عند ما جلسا إلىمخاطبة فقديهما.

وغليك ثملاً آخر: ثلاثة أخوة قتلوا جميعاً، فذكر الواسطة أسماء الثلاثة إلى أبويهم، وكان أحدهم وهو أصغرهم هو المتكلم، فقال على لسان الواسطة، قل لأبي أنني لم أتكلم كل هذه المدة التي غبت عنها! وكان الفتى في الحياة ثرثاراً وكان أبوه كثيراً ما أنبه على ثرثرته وعاقبه على كثرة كلامه.

وفي حالة أخرى كان المتكلم فيها من العالم الآخر صبياً صغيراً فطلب من أبويه أن يعطيا ما في جيب صداره إلى أخيه الصغر، فلما فتشا جيوب الصدار وجدا قطعة من النقود في الجيب الذي وصفه.