للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنحة راضياً قرير العين، ولم يكن يأذن لأحد أن يضع يده فوق ذلك الشعر الأفحم الأثيت اللين الحريري إلا يد فيولا فقد راحت تلعب في خيوطه كما شاءت وشاء لها الدلال فاعتادت أن تأخذ في إصبعها أسلاكاً منه فتلفها وتجعدها وتفسد نظامها وتجعلها واقفة مستطيلة كمنقار الصقر ثم إذا تم لها ذلك أدنت فمها من تلك الأسلاك فقبلتها ولثمتها وأعادتها إلى سيرتها الأولى لثماً ودلالاً وحباً وعذوبة.

ولئن كانت هذه اللعبة من التفاهة بحيث نتصور، فما زالت في ذهن نوربرت دليلاً من أكبر أدلة الحب ومظهراً من مظاهر الجانحة التي تضطرب في فؤاد زوجه وأنت تعلم أن أولئك الذين يحبون إلى حد الهيام والشغف، يجعلون من التفاهات والحماقات الصغيرة أموراً كباراً خطيرة، واليوم الذي نفقد فيه النزوع إلى إحداث هذه التفاهات مع أحبابنا هو اليوم بعينه الذي يأخذ منه حبنا في الهبوط والضعف.

ولا حاجة لنا ولا ضرورة إلى ذكر مئات الألاعيب والتدللات والهناءات التي كانت تبعث نوربرت على الإسراع إذا انتهى عمله إلى بلوغ البيت، ولو أن احد الناس سأله شرح السبب وكشف الباعث، لما رغب في الكلام، ولما أقبل على الشرح والتفسير، ولو أن صديقاً من أصدقائه اعترض طريقه وهو في أشد جريه فسأله: علام الجري ولم العجلة يا أخي لما رضي أن يقول له: إنني مسرع إلى البيت لاحتضان زوجتي التي تدعوني دائماً بالغزال.

على أن هذه التسمية لا تتفق ولا تلائم نوربرت من جميع الوجوه، ولكن أين ذلك الرجل الذي لا يرضى بالاسم الذي يخرج من الشفتين اللتين يقطعهما لثماً وتقبيلاً.

ولا تحسبن أن القبل كانت هي وحدها اللذة الدائرة بينهما بل مضيا يتكلمان في أحاديث كثيرة الألوان، ويقرآن الصحف فيعجبان ويفرحان للأخبار أو يحزنان، وراحا يبحثان في أمور المستقبل والمستقبل كما تعلم بحث رحيب الصدر ولذلك لا تعجب إذا سمعت أنهما كانا وهما يتكلمان عن المستقبل يهبطان في أحضان بعضهما البعض ويقع كل في صدر صاحبه.

ولقد اعتاد نوربرت أن يجلس في المقعد الكبير الهزاز وفيولا مستندة إليه ويداها تلعبان في شعره الجميل وأحلامها وأمانيها المعسولة تصب فيضها في أذنيه.