للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله.

فأجاب متلعثماً: في حراسة الله.

ولثمها باضطراب.

قالت وهي تحتضنه إن ربطة عنقك ليست في مكانها!

ومدت يدها فأصلحت منها وهذبت شكلها وتبسمت عن أسى وحزن. وانطلقت إلى حجرتها فلما اختلى الرجل بنفسه نسي أن يشعل لفافة التبغ بل جلس أمام الموقدة مفكراً يلمس بأنامله ربطة عنقه التي أصلحتها يد زوجته ويذكر ابنه وابنته وهما سيفارقان العش غداة الغد.

ومضى الشهر التالي على أهدأ ما يكون الحال. فراح البيت صامتاً أخرس لا يرتفع فيه صوت. وقد عاش الزوجان وحيدين في خلاله بعيدين عن طفليهما حتى أدرك كلا منهما الحياء من صاحبه. وأضحى حديثهما غامضاً تافهاً لا غرض له ولا مقصد، وجعلا يقرآن الصحف بصوت مرتفع وهي العادة عندما لا يجد الجليسان موضوعاً للبحث أو كلاماً يتداولانه.

ففي ذات يوم وأنه لذاهب إلى محل عمله في الصباح كعادته، إذ تبعته فيولا إلى حجرة الثياب، فجاءت بمعطفه من المشجب وأمسكته له حتى يرتديه، وأعانته على الاشتمال به، وكان هذا ولا ريب عناية تافهة، ولكنها أثارت فيه ذكرى حارة وأحدثت لديه اضطراباً وقلقاً.

قال: لست أريد اليوم معطفاً.

فقالت: كلا. بل ينبغي أن ترتدي فإن الجو اليوم مبترد وينبغي أن تحترس من البرد.

قال: إذن فليكن. وأدخل ذراعيه في المعطف ومشى إلى الباب قائلاً: إلى الملتقى!.

فمشت بجانبه حتى أوصلته إلى باب البيت وراحت تسأله. ألم يعد القطار الذي يصلا المدينة عند منتصف الخامسة مساءً يجري اليوم بين المدينة والضاحية؟

فأجفل مذعوراً وقال: لا أدري ولكن لم هذا السؤال؟

قال: لا شيء إلا أنك اعتدت دهراً طويلاً أن تصل في ذلك القطار.

ألم يكن الأمر كذلك؟