للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد كان هذا السحاب علة حقيقية لجمود العقل ووقوفه عن الحركة أو قلة نصيبه منها حتى لزمه كثير من الضعف والفتور.

والغرض الحقيقي الذي يسمو إليه المصلحون من علماء التربية هو علاج العقل والطب له حتى يبرأ من هذا الضعف ويسلم من هذا الفتور ويصبح قادراً على أن يتناول جميع الحقائق أو أكثرها بالبحث والتمحيص ويستخرج منها وجه الصواب

وهذا ما يسميه العلماء بقوة الحكم وشدة الملاحظة وما نسميه نحن الآن بالنقد الصحيح.

فطهر من هذا شيآن أحدهما أن النقد ليس مقصوراً على أنواع القول وفنون الكلام من نظيم ونثير بل هو عام يستطيع أن يتناول كل شيء من صنائع وأعمال وعلوم ونحو ذلك.

الثاني إن سبيل النقد مظلمة مشتبهة الاعلام لا تسلك إلا بعد كثير من اقتحام العقبات وتجشم الأهوال وبعبارة واضحة لا يمكن أن تبلغ أمة من النقد نصيباً موفوراً صالحاً إلا إذا استطاعت أن تقهر العادة والقوة والوراثة أي إذا تغيرت حالتها الفكرية تغيراً ظاهراً واضح الأثر.

فنحن إذا لا نستطيع أن نبلغ من النقد ما نريد إلا إذا أمن أحدنا من أن يشاع عنه الكفر والالحاد إذا بحث بحثاً عقلياً صحيحاً عن قضية من قضايا الفلسفة والدين وإذا لم يخف أن يرمي بالخيانة والمروق إذا نازع السواد الأعظم قضية من القضايا السياسية فلم ير رأيهم فيها ولم يمالئهم عليها وإذا لم يخش أن تبطش به القوة وينال منه البأس إذا نقد شيئاً من أعمالها وبين أنه مضر أو غير مفيد ومما لا شك فيه أننا لا نسطيع أن نبلغ هذه المنزلة إلا بعد أن نرقى فينا أساليب التربية رقياً كثيراً حتى تؤدي بنا إلى هذا الطور الصالح من أطوار الحياة فسبيلنا إلى النقد إصلاح التربية وتهذبيها وإطراح الفاسد من أساليبها حتى ينشأ الشبان أحرار العقول قابلين البحث عن كل شيء معترفين بأن الحق لا يمكن أن يكون مقصوراً على فرد من الناس دون فرد ولا محصوراً في فريق منهم دون فريق.

وإذا كان كل إصلاح لا يمكن أن تشعر الأمة بالحاجة إليه إلا إذا شعر بهذه الحاجة فذ من أفذاذها ونابغة من نوابغها وأخذ يدعوها إليه مرة بالشدة ومرة باللين.

وإذا كانت مخالفة العادة وإطراح القديم مبغوضاً من كل أمة ممقوتاً في كل جمهور كان من اليسير علينا أن نتبين السبب الحقيقي والعلة الصحيحة التي نشأ عنها بعض المصريين