للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس يطلب من النصارى سوى تلك الأتاوة التافهة المفروضة عليهم لقاء قومة السلطان على الرعية، وهي دينارات يؤديهما غنيهم في كل شهر، ودينار واحد يؤديه صناعهم وأرباب الحرف منهم، أما النساء والأطفال فليس بمفروض عليهم وهم يقرون بأنهم لم يذوقوا طعم هذا العيش الأخضر إلا على عهد المسلمين.

أما الزراعة فقد شققنا الأنهار، واحتفرنا الجداول، وأقمنا عليها القناطر الحاجزة وأحيينا الأرض الغامرة، فأخصبت ودرت وربت، وأخذت زخرفها وازينت، وجلبنا إلى هنا كثيراً من الأشجار والأزهار وضروب النبات التي لم يكن ليعرفها أهل البلاد الأصليون مثل القطن والقصب وشجرة الزيتون والبردي الذي لا يوجد إلا في مصر وكثير غير ذلك.

وأما الصناعة فقد خطت بفضل المسلمين خطوات بعيدة المدى فاستثرنا دفائن الأرض ومعادنها من الفضة والنحاس والرخام والحديد، ومهر المسلمون في ضروب الصناعات الشتى الألوان، فحذقوا صنع الحرير والصباغة وما إليهما وكذلك تراهم قد برعوا وأربوا وتفوقا في سائر العلوم الصناعية بله الأدبية والدينية والفلسفية حتى أن الفرنجة لانبهارهم من براعة المسلمين فيما بلغني يقرفونهم بالسحر، وما هو عمر الله بالسحر، إن هو إلا تسنمهم ذورة الكمال، وهوى هذه الأمم الحمراء إلى الحضري الأوهد والنجم تستصغر الأبصار صورته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر.

وأما التجارة فلعلك فد شاهدت كثرة السلع والبضائع المجلوبة إلى هذه البلاد، والحوانيت والمتاجر المتكاثرة في شوارع البلد، وكذلك عساك قد أبصرت الحركة المباركة في مينائنا وعمار المكوس فيها مما تتحقق منه أن الجزيرة قد شأت شأواً بعيداً في التجارة بفضل نشاط المسلمين وإقدامهم وبعد هممهم، وكل ذلك بما أثر فيهم روح هذا الدين القويم وآدابه الإلهية.

لقائي الأمير أبا الحسين أحمد

ابن أبي الحسن الكلبي

والي جزيرة صقلية

وإني لجالس مع الفقيه الوثائقي في مسجده بعد أن تغدينا وصلينا صلاة الظهر ثم أخذنا بأطراف الحديث بيننا إذ دخل علينا المسجد خادم من قبل الأمير، فذعر الفقيه عندما أخذت