للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القول وأنواع الكلام ظاهر أيضاً لا يحتاج إلا إلى شيء قليل من البحث والتفكير فأننا إذا عمدنا إلى قصيدة من الشعر فعرضناها على النقد الصحيح وبينا وجوه الخطأ في ألفاظها ومعانيها وفي نظمها وتنسيق الخيال فيها ثم طلبنا إلى القراء أن يتجنبوا ما أشرنا إليه من هذا الخطأ ويتلمسوا ما بيناه من الصواب لم نزد على أن بينا الحق والباطل ودعونا إلى نصر أحدهما وخذلان الآخر ولا شك في أن أقل نتيجة تنتج عن ترك هذا النوع من النقد أو التقصير فيه هي فساد الشعر واضطراب أمره وقصوره عن أن يؤدي ما خلق له من إصلاح العقول والوجدان وإحياء الحق والفضيلة وإزهاق الباطل والرذيلة.

وهذا ما نحن فيه الآن فقد نشأ من بغضنا للنقد ورغبتنا عنه ومن زهدنا فيه ومقتنا إياه انتكاث فتل الأدب العربي وانتقاض أمره فأصبح الشعراء والكتاب يسيرون في الشعر والنثر على غير هدي لا يميزون خطأ من صواب ولا يفرقون بين فاسد وصحيح فقصائدهم ورسائلهم ليست إلا خليطاً سيئاً من الألفاظ الصحيحة والفاسدة ومن المعاني التي نصيب الباطل منها أكثر من نصيب الحق. . .

وهم على كل ذلك معجبون بأنفسهم مدلون بمكانتهم والجمهور فيهم مغرور وبهم مخدوع لا يرى الكلمة إلا لهم ولا الحق إلا منهم ولا الصواب إلا فيهم أما الناقدون فهم عند الجمهور وعند هؤلاء الكتاب والشعراء أدعياء واغلون قد أكل الحسد قلوبهم وأفعمت الموجدة صدورهم وعبث حب الصيت بنفوسهم فاتخذوا من نقد النوابغ وأفذاذ الرجال سبيلاً إلى الشهرة وطريقاً إلى سمو المنزل وعلو المكان.

كلا كلا أيها الشعراء المفلقون والكتاب المجيدون والجمهور المخدوع ليس النقد كما تظنون سبيلاً من سبل الشهرة أو طريقاً من طرق الصيت وإنما هو مقياس الخطأ والصواب ومميز الحق من الباطل وهو المنظم لحركات عقولكم المصلح لنفثات أقلامكم الحافظ لمجيدكم حق الإجادة والمرغم رديئكم على اتباع الجيد وابتغاء الرقي وإن أحدكم إذا نال الشهر وبلغ الصيت بإعانة النقد له وعدم قدحه فيه ونعيه عليه كان ذلك خيراً له من أن ينال تلك الشهرة ويبلغ هذا الصيت مكتفياً بثناء الجمهور وتقريظ الجمهور أولئك الذين لا ينفع ثناؤهم ولا يضر هجاؤهم لأنهم لم يؤتوا من العلم نصيباً قليلاً ولا كثيراً. إذا فالنقد لكم صديق وليس عليكم حرباً كما تظنون فكونوا له كما هو لكم فإن بلوغكم رفعة المنزلة وسمو