للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في أهل المسيحية شيوعها في كثير من الأديان الأخرى. ولكن تلك العذابات الجثمانية كانت تنتهي في أغلب الأحايين بقتل القوة الذهنية وهدم القوة الجثمانية. والذهاب بالنشاط وإحداث ضرب من البلادة والمرض العقلي والزهد الممقوت. ولكن المقصد من الصوم في الإسلام ليس إلا قمع الشهوات بالاحتماء من إشباع الشهوة مدة معينة من الوقت وحرمان النفس مباهج الحواس، وتوجيه الروح الحيوانية في الإنسان إلى سبيل صحية نقية طاهرة.

أما تعذيب البدن وإرهاقه الإرهاق الذي لا جدوى منه ولا موجب له فمحرم في الإسلام، منهي عنه، وذلك أن الصوم فريضة على أقوياء الجسوم وأهل الجلد والبأس والصحة ليكون وسيلة لهم إلى تطهير الروح بوضع حد لشهوة البدن وبحرمان الجثمان أما الضعفاء والمرضى الذين في سفر أو طلاب العلم ودراس الجهاد الأكبر والنساء في المحيض فقد أغناهم الدين عن الصوم وأعفاهم من فريضته.

فإذا نحن ذكرنا ما كان من نهم اليونان القدماء وشهوانية الرومان والفرس وإغراق عرب الجاهلية الأولى في اللهو وإفراطهم في الشهوات ومباهج البدن، وضروب الحيوانية، والشرور والمناقص، فلا نلبث أن ندرك قيمة هذه الفريضة ونتبين نفعها وصلاحها لقمع شهوات الإنسان، ولا سيما بين الشعوب التي لم تصب حظاً عظيماً من المدنية.

على أ، الصوم في الإسلام كما اقتضت حكمة القرآن مقصور على النهار وللمسلم في الليل أن ينعش جهازه البدني بالاعتدال في تناول الطعام والشراب وتمتيع جثمانه في غير محرم أو إثم وهذه شرعة سهلة لا يراد بها قتل النشاط، وإحداث البلاهة والجنون، وقد قرر علماء الإسلام وأساطينه ومشرعوه بوجوب تطهير الذهن في خلال الصوم من الأفكار الشريرة والخواطر الآثمة. وعدم الاقتصار على تطهير البدن.

لم يسبق الإسلام دين من الأديان سن شرعة للصدقات وإيتاء الأرامل واليتامى والمساكين، ووضع مبادئها من بين أركان الدين وأدمجها في الفرائض وخصها بجزء عظيم من أصوله، ولقد كانت المسيحية الأولى أعياد تسمى أعياد الصدقات، ولكن أمثال هذه الأعياد كانت تتوقف على إرادة الناس، ولذلك كان تأثيرها ضعيفاً عرضياً لا يلبث أن يزول، ود أثبت التاريخ أن تلك الأعياد التي كان يتصدق فيها أهل المسيحية الأولى لم تلبث أن أبطلت بعد زمن قصير من سنها واشتراعها وتقريرها.