من السحر ما يجذبنا ويستوقفنا أمامه وأعطي من الجمال ما يحببه إلينا ويجعلنا نود البقاء إلى جانبه فأنا مستبقين حياتنا حريصين عليها. كذلك وجود المرأة على رأس هذا الجمال كله يدفعنا بالغريزة للأبقاء على النوع والعمل لتحسينه.
هذا أثر الجمال في الحياة العامة للوجود. وله إلى جانب ذلك من الآثار ما يقوم أخلاق الأمم ويبعث إلى نفوس الأفراد أرقى الاحساسات وأشرفها ويخلق من كل إنساناً رقيق الطبع عالي الهمة محباً للخير والسلام العام. أو لو رأيت إنساناً يرقب أمامه غروب الشمس وقد تورد القرص وأحر الأفق وانتشر في السماء ذلك اللون الذهبي السريع ثم تنحدر الغزالة مسرعة إلى غياباتها وهي تزداد احمراراً كأنما تختنق ويزحف الليل يطارد كل ما في السماء وينشر عليها غطاءه الأسود الهائل: لو رأيته تلك الساعة وهو يرقب فناء هاته الأشياء كلها وفتح لك نفسه كم تجد متأثراً عمل فيه ذلك المنظر الساكن الحزين. ثم كم يبتهج إذا رأى النجوم تعدت كلها لامعة من خلال الظلمة فبعثت مكان ذلك الموت المطلق أملاً يحي للغبراء ومن عليها.
مثل هذا الابتسام يطوق ثغور الناس عامة حين جدة الزمان ومقتبل الربيع حين تأخذ الأرض زينتها ويلبس كل شيء أبهى كسائه والسرور الذي يداخل نفوسهم ويظهر على وجوههم حتى لا ترى إلا سنا ضاحكاً وقلباً طروباً وفؤاداً يملأ الصدر فرحاً حين يبتسم الوجود وقد قام من رقدة الشتاء وغادره ذلك الرداء القاتم الذ يأتي على كل الموجودات في الفصل البارد. وليس بنو آدم وحدهم هم المنتشين بل لقد كنت أجس في شهر مايو من العام الماضي أن كل شيء حتى الجمادات الصامتة في نشوة بما حوله من الخلق الجديد. وأينا دخل حديقة من الحدائق الكثيرة هنا في ذلك الشهر لا بد رأى أوراقها ضاحكة بلونها الزاهي البديع وزهرها كذلك يتوج هاته الهامات الكبيرة الثملة تحت نور شمس الربيع.
وفي هذه الأيام العاشقة لا يستطيع الإنسان أن يحبس قلبه مهما جاهد عن أن يحب. تراه مدفوعاً بقوة أكبر منه نحو الجنس الآخر وكله العاطفة الشريفة المجردة من كل غرض وتهب الطبيعة للنساء من الحسن مالم يعرفن في غير ذلك الوقت فتراهن قد لبسن جمالاً. يروع العين وظهرن وسط الزخرف الهائل الذي يتزين به الكون ملكات ذلك الزخرف ورباته. ولا يفتأ الإنسان يسجع قلبه يصدح وحيداً في ظلمة القفص الذي يحيط به بأناشيد