لتبهج نفوسنا وتنير سبلنا. وإن كل ما في الكون وكل ما تقل الغبراء وتظل الخضراء لم يوجد إلا لمنفعتنا ولذتنا فما بال العالم كعهده وعلى حاله بعد ما سكت نبضنا وعدنا جثة هامدة وجمرة خامدة لقد زلنا وما زالت من النجم لمعته ولا من الروض نضرته.
أيا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
إن الطبيعة لا تحزن وكذلك الجماهير الجماعات لا رحمة عندها ولا حنان ولا رثاء. وأنها لا تأبه لي ولا لك كما لو كنا من سكان المريخ أو أهل القمر. وليس عجيباً نسيان العالم إيانا عقب مغادرتنا مسرح الحياة لأنهم لم يكادوا يشعروا بنا ونحن فوقه وليس الأمر مقصوراً على أن أسماءنا لا تعرف في بلاد الصين بل الحقيقة أنه لم يسمع بها في الشارع المجاور لنا ولا في الزقاق المصاقب. فإذا كانت هذه منزلتنا لدى المجتمع الإنساني ونحن أحياء فماذا عسى تكون منزلتنا عنده ونحن عظام نخرة ورمة بالية. وما كان (لحفنة من التراب) أن تثور في وجه العامل لأنه لا يأبه لها، أو تشاحن الملأ وتقاتله لأنه لا يشعر لوجودها. ولو أن لها لساناً ينطق لقالت (أيتها الدنيا اذهبي لشأنك! دوري دورتك في الأثير الأزرق وتشكلي لكل عصر شكلاً وتلوني لكل جيل لوناً - فلن يكون بيني وبينك اتصال أو احتكاك البتة).
إن ما يبديه الناس من هذا التشبث الصبياني بالحياة من حيث هي فكرة ومعنى إنما هو نتيجة هذه المدنية الحديثة المصطنعة، فلقد كان الناس في القديم يغشون ساحات الحروب ويغامسون القحم والأهوال والمهالك ويخاطرون بالأرواح لأدنى سبب وأتفه عله ويلقون بأنفسهم في المتالف من أجل غرض فذ أو بغية واحدة فإذا لم يظفروا بها عادت الحياة وهي عبء فادح عليهم ونكبة ومصيبة لا تطاق ولا تحتمل. أما الآن فقد تغيرت الحال. وأصبح جل همنا من الحياة وأقصى بغيتنا من العيش هو التفكير والتأمل، وعاد أهم ملاهينا وشهواتنا هو قراءة الروايات والأشعار والقصص الجديدة - وهذا ما نستطيع إتيانه على مهل وفي هينة وتحت ظلال الأمن والسلام والطمأنينة.
ونحن إذا نظرنا في قديم التواريخ والقصص قبل أن يؤثر الأدب الحديث تأثيره في شؤون البشر وأحوالهم بإدخال روح الفتور والبلادة عليها - رأينا أن الأبطال والبطلات كانوا يرتقبون الفرص للمخاطرة بأرواحهم بغير باعث سوى مجرد احتدام نار الحمية والحماس