ولما انتهى العشاء استأذن العروس وعاد لآخر مرة إلى غرفته المنعزلة لأنه كان قد اتفق أن الزوجين يسكنان في منزل الوالدة وكانت قد أعدت الغرف لهما ثم انفرط عقد الجماعة وقاد ليوبولد الغريب إلى غرفته وقال له وهما سائران أنك تسامحنا لاضطرارنا إلى أن نقيمك في مكان بعيد أسباب الراحة فيه غير متوفرة ولكنك قد نظرت بعينك كثرة أفراد عائلتنا وبعضهم سيحضر غداً وإني أعلم أنه ليس في وسعك أن تفر من يدنا لأنك لا تدري طريقك في هذا المنزل الواسع الرحيب.
ثم سارا من مرات كثيرة وترك ليوبولد صديقه بعد أن حياه ثم وضع الخادم مشعلين على المائدة وسأل الغريب إن كان يطلب مساعدته في خلع ملابسه، وتركه لما أعفاه من ذلك وخلا إذ ذاك الغريب في نفسه.
فاخذ يقول لنفسه وهو يروح ويجيء في الغرفة كيف نبعت من قلبي هذه الصورة اليوم واضحة جلية ولقد نسيت الماضي البعيد وخلتها أمام عيني ولقد عدت إلى الشباب وكان صوتها في أذني حلو الرنين كما أعهده ولقد ظننت أني أستفيق من حلم ثقيل ولكن لا - لقد صحوت من رقدتي وإن تلك الدقائق اللذيذة لم تكن سوى وهم جميل.
وقد كان مهتاج الخاطر مضطرب الذهن وأخذ ينظر إلى بعض الصور المعلقة على الحوائط ثم أجال نظره في الغرفة ثم قال اليوم كل ما أرى على حاله ولم يتغير شيء وإني لأذكر أني عرفت هذه الدار من أزمان ماضية بعيدة ثم أخذ يجمع تذكراته من جوانب الماضي ونواحيه ورفع بعدُ الكتب الكبيرة وكانت إحدى الأركان ولما قلب صفحاتها خر رأسه وكان معلقاً على الحائط غطاء عود ولما كشف الغطاء وجد آلة قديمة قد أخلق الزمن جدتها وبدد أوتارها فقال لا لست مخطئاً وهذه العود لها صورة خاصة وهو العود الإسباني عود صديقي الراحل من أزمان - ألبرت المسن -.
وهذه كتب السحر وهذه الغرفة التي أطلعني فيها على الرؤيا المباركة وقد بهت احمرار الجدران ولكن كل ما يتعلق بتلك الساعات في نفسي واضح جلي وقد كان ذلك سبب ما تغشاني من الخوف عند قدومي إلى هنا من الممرات التي قادني فيها ليوبولد.
فيالله! هاهنا على تلك المائدة ارتفعت الصورة ونمت كأنها قد سقيت وانتعشت من احمرار