الذهب وهنا ابتسمت لي تلك الصورة التي كادت ترميني بالجنون هذه الليلة وهاهنا كنت أحادث ألبرت.
ثم خلع ملابسه ولم ينم إلا حُثاثاً واستيقظ عندما ضرب الفجر بعموده وفتح النافذة وكانت الحدائق والمباني كما كانت إذ برد شبابه قشيب وإذ آماله زاهية متفتحة الزهرات فقال وقد تصعدت من زفراته لقد مرت أربعون عاماً على ذلك المساء ولقد عشت في كل يوم من تلك الأيام المشرقات أطول ما بيني وبينها الآن.
ثم دعته الجماعة وأمضى الصباح في أحاديث مختلفة وأخيراً دخلت العروس في زينتها وبهائها فلما لحظها أظهر عليه تأثر شديد شاهدوه الحاضرون ثم ساروا إلى الكنيسة وتمت هناك حفلة الزواج ولما عادوا إلى المنزل قال ليوبولد لأمه الآن يا أماه ماذا تقولين عند صديقنا الكهل الطيب السريرة. فقالت لقد كنت أظن صورته تبعث على القلق والخوف أكثر من ذلك وإنه رجل عواطف وشعور وقد نرى فيه صديقاً ناصح الجيب وافر الإخلاص.
فقال أجاثا: أتؤملين الإخلاص في صاحب تلك النظرات الحائرة المتوقدة وهذا الموجه الممتلئ بالتجعدات وهذا الفم الأصفر الغارق وهذه الضحكة الغريبة التي ترن في سخرية واستهزاء.
لا. فليدفع عنها الله شر صداقته، وإن الأرواح الشريرة إذا ظهرت في صورة إنسان فإن مما لا نزاع فيه ولا مماراة أنها تظهر في صوراته.
فقالت والدتها إني أظنه أقل سناً من ذلك وأجمل وإني أنظره بالعين التي تنظرين إليه بها وفي استطاعة الإنسان أن يلحظ عليه أنه حاد الطبع فوار الإحساس وإنه قد راض نفسه على أن يحجز فيها مشاعره وأنه اعتاد أن يحزن إحساسه في صدره وقد يكون - كما يقول ليوبولد - لاقى من أبكار الخطوب الفواجع ونوازل الهموم الصوادع ما جمع في نفسه الأحزان وألف فيها الأشجان حتى فقد صراحته البسيطة التي هي في العادة نصيب السعيد وقسط المنعم.
ثم دخلت بقية الجماعة فوقف مجرى الحديث ثم حضرت المائدة وجلس الغريب بين أجاثا وبين التاجر الغني ولما ابتدأ شرب النخب صاح ليوبولد قائلاً انتظروا قليلاً يا أصدقائي