للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذين نضيعها على أنفسنا عبثاً ونجعلها تُنقص من أعمارنا بدداً وشرّها هذا الذي يضيعه علينا منها إهمالنا ولعمري أنك لو أنعمت النظر لرأيت أن شطراً من حياتنا يذهب في تافه ما نعمل في الحياة والشطر الآخر وهو أعظمها قد يضيع علينا في لاشيء وأنا على الحالين غير عاملين إلا فيما يجب علينا ألاَّ نعمل وإلا فخبرني أين هو ذلك الذي يحافظ على وقته ويقدره قدره ويعرف قيمة اليوم الذي تطلع عليه فيه شمسه ويدرك أنه في كل ساعة تمر عليه يقترب من الموت وفي كل لحظة تكر يدنو منه الأجل، لا جَرَم أنا واهمون في اعتقادنا أن الموت أمامنا على حين أنا قاطعون منه مراحل كثيرة خلفنا فكل ما مضى من أعمارنا إنما هو منه أو من حقوقه المستردة، فاعمل أيها الصديق بما ضمنته كتابك الأخير إلىّ أن تجمع ساعات يومك وتستحضرها وما دمت محافظاً على الحاضر من وقتك مراعياً حسن التصرف فيه فلا تبال بالمستقبل منه وما ضبط امرؤ حاضر وقته وأحسن التصرف فيه إلا جرت حياته لعمرك أحسن مجرى إن كل ما بقي بعد الوقت ليس لنا بل هو أجنبي عنا أي لا حكم لنا عليه إلا هذا الوقت فقد وهب لنا قياده فهو الشيء الوحيد الذي منحتنا العناية حق التصرف فيه لأنفسنا بأنفسنا ولما كان لعمري من الفرار والفلت من بين أيدينا بمكان عظيم فقد يسلبنا إياه أول قادم ويشغلنا عنه أقل شاغل ومما مُنِيَتْ به الناس من ضروب الحمق أن تشغلهم الصغائر والسفاسف الممكن تداركها وتلافي أمرها على ظن أنها من العظائم الواجب العناية بها أما الوقت فلا يحفلون به ولا يظنونه من النعم الواجب شكرها والاحتفاظ بها على حين أنه من أكبر النعم المطوق بها أجيادهم ولا يوفونها مع ذلك حقها ولا يقدرونها قدرها، ولعلك سائلى وما تصنع أنت يا من تعلمنا الحكمة فأجيبك بالصريح أعلم أني مثل رجل الفقير المقتصد في معيشته لا يفوتني محاسبة نفسي على ما أنفق من عمري بالدقة على أني لا أفتخر بأنه قد لا يفوتني ضياع شيء منه هباء ولكني أعرف ما يضيع علىّ وكيف ضاع ولم ضاع وبذلك يمكني على نضوب عودي أدراك حالي وفقه شأني وما حالي وأيم الحق إلا كحال المكدود عن جده لا عن كده وهذا قد يرثى له الناس ويرقون له ولكن لا يمد له يد المعونة إنسان أما أنت فأني أختار لك على كل حال أن تقتصد في أمرك وتبادر إلى انتهاز الفرص من ثمين وقتك واعلم أن الأقدمين منا قد ضربوا مثلاً جليلاً للشيخوخة هو خير تمثيل في الواقع لحالها فقالوا: إذا بلغ ما في الإناء