للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نهايته فلا اقتصاد ثَمَّ ولا ادخار لأنه لم يبق فيه غير الثفل وهو قليل في الكمية رديء في الكيفية.

الرسالة الثانية

(في الأسفار والمطالعات)

تنبئني رسائلك ويدلني ما يأتيني من أخبارك على ما أومل فيك من لخير فأن الأسفار والانتقالات لا تقلق لعمري راحة نفوسنا وإنما كل تلك الحركات لا تزعج إلا خواطر أصحاب العقول المريضة وأول علامة على سلامة النفس وصحتها معرفة المرء كيف يسكن بنفسه إلى نفسه. ولكني أحذرك مطالعة كل تلك الطائفة من الكتب الكثيرة والأسفار المختلفة التي قد تفضي إلى تشويش الذهن واضطراب الفكر فيجب عليك ألا تتعلق إلا بمطالعة المختار من أسفار كبار المؤلفين التي تغذي روحك مادتها إذا أنت أحببت أن تستفيد شيئاً يرتسم في عقلك وينتقش في نفسك واعلم أن كثرة الانتقال من مكان إلى مكان كلا انتقال من مكان وإذا قضي المرء أيامه في التنقل والأسفار فهو إنما يستكثر من المضيفين لا من الأصدقاء كذلك حال أولئك الذين لا يداومون على مطالعة مؤلف واحد بالدقة والإمعان وإنما من ديدنهم أن يمروا بأبصارهم على كل ما يقع لهم من الكتب مراً سريعاً كأنهم يركضون ركضاً والأغذية إذا خرجت من المعدة بسرعة على أثر تناولها لا تفيد الجسم ولا يكتسب منها البدن وكذلك في باب العلاج ليس أضر على البدن من كثرة تغيير الأدوية والعقاقير، وكثرة وضع الضمادات على الجراح قَلَّ أن تفيدها والإكثار من نقل غراس الأشجار من مكان إلى مكان يوجب ضعفها ويقل نماءها وبالجملة لا شيء تفيده العجلة في هذه السبيل، أجل إن مطالعة الكتب الكثيرة قد تسلى العقل وترطب الذهن ولكن لما كان ليس في قدرة الإنسان إلا مطالعة ما تصل إليه طاقته من الكتب فيجب عليك في هذه الحال أن تنتقي كتبك وأن لا تحرز يداك من الأسفار إلا ما تروق مطالعته والاستفادة منه ولعلك تقول لي إنما أرغب أن أطالع هذا الكتاب وأروض فكري في ذلك السفر فأقول لك أن شوق النفس إلى تناول الألوان الكثيرة ما هو إلا دليل على ضعف معدة صاحبها لأن كثرة الألوان لا تغذي بل هي قد تضر أكثر مما تنفع وصفوة القول أنه يجب عليك أن تثابر على مطالعة كبار المؤلفين المعتبرين وإن رأيت أن تنتقل منهم إلى سواهم بين حين