للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العاطل البطال المتشرد الرافس بقدمه الحرف والمهن والصناعات والمعايش وأساليب الارتزاق النستهام في حب الله الطارح نفسه تحت مهاب أدق المؤثرات وألطفها تحرك أوتار قلبه كما تنبعث أنفاس النسيم بأوتار المعزف. فتبعث أنغامها - فأمثال هؤلاء من متخيل حال. أو متصوف مدله أو متشرد عاطل هم القادرون على تعاطي تلك الوظيفة الروحانية السامية التي تغير اصطلاحات الدنيا في أسرع نم لمح على الجد والمجون على الوقار والحمق على العقل والطيش على الرزانة والبله على الدهاء والفقر على الغني والمسكنة على الجاه والصعلكة على الإمارة وتمحو في لمحة كل ما أحرزه لنفسه الرجل الدنيوي المادي من الامتيازات والمناقب والمفاخر طول عمره بالكد الناصب. والجهد الحازب. والسعي الدائب. وتعزو كل محمدة ومفخرة للمتشرد البطال. والنؤوم المضيع المكسال. فأتن أيها القارئ إذا استطعت تعاطي هذه الوظيفة والقيام بأدائها حق قيام أمكنك أن تصبر نبياً ولكنك لن تنال في المطالب الدنيوية نجاحاً.

يرى الكثيرون منا في شاعر أمريكا والت ويتمان نبياً عظيماً ورسولاً كريماً بما قد ألغى من الامتيازات البشرية المألوفة. والإصلاحات الاجتماعية المقررة المعروفة ولأنه لم يجد ولم ينظم من الصفات الإنسانية سوى تلك الخصال البسيطة الأولية العامة المشتركة بين كافة أفراد البشر. ومن ثم أصبح يعده الناس الأعلى للعاطلين، والنموذج الأسمى للضائعين المضيعين، إذ كان رجلاً جل عمله وصناعته التفرج بمشاهدة خلق الله في موكبهم المتواصل المستمر الأبدي ينظر إليه تارة من نافذة غرفته وأخرى من سطح مركبة. الأمنوبيس وآنا من طاقة القاطرة وآونة من قارب المعدية وهلم جرا، ويرى فيه طائفة أهل العمل وطلاب الدنيا وأيضاً الدنيا رجال العم وأعضاء المجمع العلمي الأكاديمي شخصاً حقيراً قليل الغناء عديم الفائدة والقيمة عدمه خبر من وجوده، ولا يبصرون في شعره أكثر من مجموعة صيحات وصرخات - وجمل مفككة خال معظمها من الفعل أو الفاعل - وأكثر ألفاظها تعجب وأحرف استغاثة وندبة، والحقيقة أن هذا الرجل كان يتحرك ودجانه، ويهب إحساسه ويجيش صدره وجنانه لرؤية جمهور الخلق ومحتشد الجماعات الإنسانية كما كان يجيش روح وردزورث الشاعر الإنكليزي لآنف الذكر لرؤية الطبيعة واجتلاء منظر الأرض والسماء. والجبل والماء. أجل لقد كن يرى في منظر المجتمع الإنساني قوة