للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باهرة. وحضرة جليلة للشعور غامرة. جديرة أن تستغرق الذهن فتصرفه عما به هو أحق وأولى نم المصالح الدنيوية. والشؤون المادية مما هو أكثر من أن تسعه مرحلة العمر عند الرجل الجاد المجتهد الرابئ بعمره أن يضيعه في أمثال تلك الترهات والخزعبلات والسفاسف.

وإذا شاء القارئ أن يعرف رأي هذا الشيخ المتشرد الذي شاب فؤاده في العطلة ولاكسل والبطالة في الطريقة المثلى لانتهاز فرص الحياة السانحة من قبل الملكوت الأعلى إلى المختارين نم صفوة عباده وصرفها في اكتساب أفضل نعم الحياة وأكرم ثمرات العيش فليقل كلمته الآتية من أحد رسائله إلى صديق كان سواقاً لبعض المركبات العمومية. وهي:

نيويورك ٩ أكتوبر ١٨٦٨

عزيزي بيت - إن الجو ههنا غاية في الصفاء والجمال. ونهاية في الطيب والاعتدال فهو سجسج لا قرّ ولا حرور. مصقول الأديم لا غيم ولا صبير. ولقد بكرت الغداة إلى ضفاف النهر فسرت فرسخاً أو اثنين. وبعد فهل لك أن تعرف كيف أمضي ساعات النهار؟ فاعلم أني أصرف الشطر الأول إلى الظهيرة في حجرتي أقرأ أو اكتب ثم أذهب إلى الحمام ثم ألبس ثيابي وأترك الدار فألقي حبلي على غاربي وألقي زمامي بيد الأهواء تذهب بي حيث تشاء. لا أتقيد في تصرفاتي نم الأغراض المادية بحاد ولا دليل ولا أوثر في تقلباتي سبيلاً على سبيل. وتراني مع ذلك لا أشعر بطول الوقت ولا ثقله ولا أحس منه بفراغ بل أجد لدي من الأعمال والأشغال ومن المآرب والأوطار ما يملأ ساعات اليوم ويزيد. فأنا إذا ركبت إحدى المركبات العمومية بعد ظهر يوم فاندفعت بي في شوارع والطرقات كان لي فيما أمر به من مختلف المناظر والمشاهد خير مسلاة. ومبهجة وملهاة. ومستراد للعين ناضر بهيّ. ومستمتع للنفس. مستملح شهيّ. كيف لا توان المركبة لتعرض على البصر في ممرها من مناظر المجتمع صورة حية متجددة سرمدية - دوراً. وحوانيت وقصوراً. وأرصفة للسفن وحياضاً. وخمائل وجنات ورياضا. ومخارف. ومصايف. ومعارض ومتاحف. ومرابع ومعامل ومصانع. وعلى جوانب الطرق يتدفق تيار المارة بين رجال في المجاسد والمعاطف. والملاحف والمطارف. وأوانس حسان. يبن حاليات وعاطلات لكنهن من حلى الملاحة غوان. وأتراب كواعب. بأفئدة الرجل عائبات لواعب. بيض السوالف