للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصقولة الترائب. ذلك إلى المركبات في إسراعها. والعجلات في اندفاعها. والدراجات في انسيابها. والسيارات في انصبابها. وما يتخلل كل ذاك من هرج. ومرج. ومن ضجيج. وعجيج. ومن صخب. ولجب ومن فرح. ومن مرح. ومن نداء. وضوضاء. وكأني بك أيها الصديق لا تكاد تدرك فرط ما لكل هذا من الأثر في نفس متشرد مثلى ولا عظم ماله من الوقع في فؤاد صاحبك الذي لا ألذ في قلبه ولا أحلى في نفسه من منظر المتجمع الهائج المائج يمر به عارضاً شتى صوره وأفانين مشاهده لا بهاجه وإمتاعه وهو واقف ينظر إليه نظرة وادع متمهل طويل النؤدة بعيد الأناة ليس يعنيه من أمر هذا المشهد العظيم سوى أنه ينظر فيتدبر. ويشهد فيتفكر. ويرمق فيتبصر. ويرنو فيتذكر.

انتهت رسالة شاعر أمريكا الأكبر إلى صديقه السوّاق.

وما أشك أن الكثيرين من القراء سيعدون مثل هذا الصنيع شرّ طريقة لصرف الوقت وأسوأ مضيعة لفرصة الثمينة وعملاً لا يصح أن يصدر نم رجل قد جاوز مرحلتي الشباب والرجولة وأشرف على الكهولة مثل الشارع والت ويتمان ولكن خبرني أيها القارئ إذا نظرنا إلى لباب الحقيقة أي الرجلين أنفذ بصيرة إلى أسرار الحياة وصميم الحق - الشاعر والت ويتمان ينظر إلى الدنيا من مظاهر مركبة الأومنوبيس يستطلع خبايا النفوس وخفايا القلوب نم أسارير الوجوه مملوءاً فرحاً بتلاوة آيات الخلق مسطورة على صفحة الوجود تجيش روحه طرباً باستجلاء هذه الأسرار المكنونة أم أنت أيها القارئ منصرفاً عن هذه الآيات الروائع والآثار البدائع ممتلئاً نقمة واحتقاراً. ومقتاً واستصغارا. لذلك الشاعر الذي تراه في رأيك ونظرك الأسمى عاطلاً متشرداً مضياعاً للوقت النفيس في الصغائر والحقائر.

أرأيت إذا امتطى ظهر تلك المركبة رجل نم الأغنياء الموسرين بين المتقلبين في أحضان النعيم المضجعين في أمهدة الترف أو رجل من التجار أو المزارعين المهتمين بشؤونهم الشخصية ومسائلهم الذاتية أكان خياله الراكد الضعيف مستطيعاً أن يطمح إلى عنان السماء فيحلق إلى ذهب الأصيل وبديع وشى الغروب بألوانه البهيجة وأصباغه العجيبة كما يفعل خيال ويتمان أم كان بفطن في أعماق قلبه إلى هذه الحقيقة المؤكدة وهي أن الدنيا في أزمانها المتوالية المختلفة وعصورها المنوعة المتتابعة لم تكن تشتمل قط معان أقدس ولا