للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الموت يخيف الشرير اكثر مما يخيف الحكيم، ومهما كانت خاتمة الحكيم مؤلمة فإنها لم ترسل ظلالاً سوداء فوق حياته لأنه لم يصرف أوقاته في ميتات أولية ولكنه من أصعب الأمور علينا أن لا نظن أن جرحاً ينضج بالدم يحيل إلى لا شيء كل سكون الحياة وهدوئها.

* * *

لنذكر دائماً أنه لا شيء يصيبنا إلا وهو من طبيعة روحنا ومعدنها، وأن كل الأخطار التي تقدم علينا تلبس لأرواحنا أزياء الأفكار التي تمر بإخلادنا كل يوم وأن أعمال الشجاعة وأحداث البطولة لا تمنح إلا لهؤلاء الذين عاشوا السنين الطويلة أبطالاً في زوايا النسيان وأكنان الخفاء، وسواء هبطت الوادي أو رقيت الجبل سواء شرقت حتى لم تجد ذكر مشرق وغربت حتى لم تجد ذكر مغرب أو اقتصرت على الطواف بمنزلك فإنك ملاق نفسك في طرق القدر، وأن مخاطراتنا لتتطاير حولنا تطاير النحل حول خلاياه عند ما يكون على نية الاحتشاد، وهذه المخاطرات تترقب ظهور الفكرة الرئيسية من أرواحنا فإذا لاحت تلك الفكرة تدفعت نحوها والتفت حولها، فكن كاذباً يسرع إليك الكذب وكن نباض القلب بالحب نزاعاً إلى البطولة يترادف إليك الحب وتتلاحق إليك أحداث البطولة، فإن كل ذلك يقبل إليك إذا أشار إليه طرف القلب، وإن الروح إذا صارت عند إقبال المساء أوفر عقلاً وأصفى حكمة صار الحزن الذي كاثرها في الصباح أحكم وأصفى وأطهر وأنقى.

* * *

حول الرجل الصالح دائرة متسعة من السلام والأمن من داخلها. تزول سهام الشر وتفنى وليس في طاقة زملائه أن يقذفوه بالمكائد ويهيجوا به الألم، ومن الحقائق الجلية أننا إذا كنا نرسل العبرات من حنث أعدائنا ومكائدهم فما ذلك إلا أننا نسر ونبهّج إذا نحن أبكيناهم وحشونا قلوبهم حرفاً وإذا كانت سهام الحسد في وسعها أن تصل إلى جلودنا وتسيل من دمنا فإن ذلك لأن في نفوسنا سهاماً نريد أن نطلقها، وإذا كانت الخيانة تستثير الزفرات من حنايا ضلوعنا وتستوقد الغضب بين جوانحنا فإنه لا بد من أن نكون غير مخلصين لأنفسنا، فإن كل تلك الأسلحة لا تجرح إلا الروح التي لم تقدمها قرباناً على مذبح الحب.

* * *